الجاف شديد الاحتراق، واللين سريع الاختراق، وما بين بين نكون على وفاق. هكذا تبدو الأشياء مستمرة في دورانها حول الحقيقة، وهكذا تبدو مكتفية في تطرفها، بحيث لا تدع للحدود مكاناً في العلاقة بين الخطأ والصواب.
الأعواد الجافة تحترق بأقل من دقيقة، بينما تحتاج الأعواد الخضراء الغضة إلى زمن كي تظهر بعض الدخان، ولكنها من السهل أن تخترق برأس إبرة.
من الجدير بالذكر أن البشر كأعواد الشجر، فيهم الجاف، المتعجرف، وفيهم اللين المفرط في السيولة، ما يجعل الاثنين في حال التصادم، وفي وضع النفور، والابتعاد عن خط التواصل، لأن لكليهما أنا موسعة، ولكليهما قاموسه الذي يتهجّى به مفردات الحياة، ولكليهما أيضاً قدرته على إدراك ما للحياة من أنساق تحتاج منا أن ندخل فصولها من غير الطرح، والقسمة لأعداد الأنوات التي ستسقط لو أننا انتهجنا طريق اللا أنا، وبدأنا سلك جادة غير محشورة بين صخور تلك الأنوات المستمرة عند كل نافذة من نوافذ العقل، ما يجعله، يرتجف عند كل خطوة يخطوها باتجاه الآخر.
نحن بحاجة إلى فلسفة غير معهودة في تاريخنا الإنساني، تأخذنا إلى حيث تكمن حقائق، نحن قد نسيناها، أو تجاهلناها، لنبدأ من جديد، نتعرف إلى ذاتنا، والتي هي جزء من ذات الآخر، ومن ثم نستطيع الولوج في الوجود من دون خطوط العرض التي صنعناها بضغينة، مما أحال كل هذا إلى صحارى عارية، والجلوس على رمال تحفر قبور ذاتنا، بأصابع التوحش.
نحن بحاجة إلى فكر جديد يعيد ترتيب مشاعرنا، ويهذب حواسنا، بحيث نتلمس حقيقة وجودنا من خلال معرفتنا أننا في وسطية المشاعر، نستطيع أن نتلافى الاحتراق، كما أننا نستطيع تفادي الاختراق، وبالتالي نصل إلى حقيقة أن الوجود واحد، ونحن أرقام في هذا الوجود، نكمل العملية الحسابية من دون عرق أو جهد.
عندما ندرك أننا واحد في الوجود الكل، وواحدنا هو الكل، نستطيع أن نحمي أنفسنا من الغيرة، نستطيع أن نرتفع عن لهيب النيران التي تشعلها الأنا، ونستطيع أن نكون في الوجود وردة برية، تعبق بعطر الحب.
الحب مثل الشجرة، لا ينبت في الأرض اليباب، إنه وليد الخصب، والمياه الجارية في أخاديد الأرض وعروقها، إنه لا ينبت في المكان الذي تبرز فيه الزوايا الحادة، ولا يورق إلا على ضفاف الأنهار، فلنكن أنهاراً، لا بحاراً، حتى تهفهف وريقات الزهر عند شفاه قلوبنا ويذهب الجفاف إلى الجحيم.