الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

قوى الذكاء الاصطناعي العظمى

قوى الذكاء الاصطناعي العظمى
31 مارس 2019 02:24

عرض: محمد وقيف

يُعد الذكاء الاصطناعي فرعاً من فروع علوم الحاسوب، ويعنى بخلق أنظمة حاسوبية، تؤدي مهام على نحو يحاكي الذكاء البشري.
ومن بين الأسئلة الملحة المحيطة بالذكاء الاصطناعي اليوم سؤال من سيفوز في السباق العالمي حول التفوق في هذا المجال الحيوي والاستراتيجي: الولايات المتحدة أو الصين؟
أحد أحدث المنضمين إلى هذا النقاش هو كاي فو لي، وهو عالم كمبيوتر صيني. «لي»، مؤلف كتاب «قوى الذكاء الاصطناعي العظمى»، هو أيضاً رئيس «سينوفايشن فانتشرز»، وهي شركة لتمويل الشركات المبتدئة، وقبل ذلك كان رئيساً لفرع شركة جوجل في الصين، وبالتالي، فإن «لي» يجمع بين فهم عميق للذكاء الاصطناعي وخبرة في شركات التكنولوجيا الأميركية والصينية.

بالأمس القريب، كان باستطاعة منطقة «وادي السيليكون» الأميركية المشهورة باحتضانها لكبريات شركات التكنولوجيا العالمية أن تقلِّل من شأن شركات التكنولوجيا الصينية باعتبارها مجرد مقلِّدة، ذلك أن اللاعبين الأميركيين الكبار في هذا المجال، من تويتر إلى فيسبوك إلى جوجل، كانت لها جميعاً شركات صينية مقلِّدة. غير أن صعود تطبيقات دردشة صينية ناجحة جداً مثل «وي-تشات» – ناهيك عن كل شركات التكنولوجيا الأميركية التي فشلت في الصين – يوضح بشكل جيد أنه لا ينبغي التقليل أبداً من شأن شركات التكنولوجيا الصينية في البلاد.

دور الشركات المبتدئة
وفي كتابه «قوى الذكاء الاصطناعي العظمى»، يذهب «كاي فو لي» إلى أن الصين و«وادي السيليكون» ستقودان العالم في الذكاء الاصطناعي، ولكن كتابه يغطي مجالات أخرى أيضاً، ومن ذلك إضاءات مثيرة للاهتمام يصف فيها الاختلافات بين «الثقافة التكنولوجية» في الصين ونظيرتها في «وادي السيليكون».
وفي هذا السياق، يلفت «لي» إلى أن الشركات الأميركية تميل عموماً إلى أن تكون أكثر تركيزاً على تحقيق أهداف رسالتها، على الأقل في خطابها. ويقول في هذا الصدد: «الأمر يتعلق بالابتكار الخالص»، ما يخلق منتجاً أصيلاً كلياً يُحدث ما سماه ستيف جوبز «مؤسس آبل» «تأثيراً في الكون»، ولئن كانت الشركات الأميركية تحب فكرة «صنع الشيء وإتقانه»، فإن كل شيء، في الصين، يدور حول السوق، ذلك أن الهدف هو تحقيق الأرباح وجني المال، والشركات ستفعل كل ما تستطيع لبلوغ هذا الهدف.
والمقاربة الصينية لها مزاياها، كما يشرح «لي». ذلك أنها تسمح للشركات المبتدئة بأن تكون سريعة ومرنة ومفتوحة أمام التجريب المستمر.
ووُلد «لي» في تايبييه بتايوان، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة، حيث تلقى تعليمه الإعدادي والثانوي، وتخرج في جامعة كولومبيا تخصص علوم الحاسوب، وحصل على شهادة الدكتوراه في التخصص نفسه من جامعة كارنيجي ميلون.
ومستفيداً من هذه الثقافة المزدوجة، يفرد «لي» حيزاً معتبراً من كتابه لمناقشة هذه الاختلافات الصينية والأميركية، والتي تحدث أيضاً في مجال الذكاء الاصطناعي. والمقصود بالذكاء الاصطناعي، بكل بساطة، هو قيام الآلات بأشياء يقوم بها البشر عادة. غير أن الآلات تبرع في القيام بتلك الأشياء، أحياناً، وتتفوق على البشر، على غرار ما حدث في 2017 عندما تغلب كمبيوتر على مراهق صيني في لعبة «غو»، وهي لعبة طاولة صينية كانت تبدو في الماضي جد معقدة حتى يفوز فيها كمبيوتر.

النموذج الصيني
ولكن الأمر لا يتعلق بالأرقام فحسب. ذلك أن تفوق الصين، كما يكتب «لي»، يكمن في «بياناتها الوفيرة جداً، ورواد أعمالها المثابرين، وعلماء الذكاء الاصطناعي المدرَّبين بشكل جيد، وبيئةٍ سياسات داعمة»، غير أن اختيار «لي» للكلمات قد يكون له معنى مختلف في أميركا. ذلك أن البعض قد يقرأ «بيانات وفيرة جداً» على أنها «المراقبة»، وقد يؤول «بيئة سياسات داعمة» على أنها «عملية لصنع القرارات من القمة إلى الأسفل من دون عرقلة من الرأي العام».
ولنأخذ على سبيل المثال هنا، مخططَ الذكاء الاصطناعي الذي تقوده الحكومة الصينية، فهو يشمل إعانات لدعم البحوث، واستثمارات، ومناطق تطوير خاصة، وحاضنات، وهدفه هو أن تصبح الصين الرائدةَ العالمية في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030. وإذ يقر «لي» بأن حملة الصين الخاصة بالذكاء الاصطناعي من المحتمل أن تكون «غير فعالة نوعاً ما»، فإنه يرى أن بكين لن تسمح لذلك باعتراض طريقها بالضرورة. ثم إنه خلافاً لما عليه الحال في الولايات المتحدة، فإن المسؤولين الصينيين غير مقيَّدين بـ «فوضى» العملية الديمقراطية، حيث يواجه السياسيون عادةً خطر التعرض للمعاقبة من قبل الناخبين بسبب حملات غير فعالة.

شبح الاحتكار
ويتطرق «لي» إلى الجوانب السلبية للذكاء الاصطناعي، حيث يبحث فقدانَ الوظائف وفقدان احترام الذات عندما يكتشف الناس أنهم استُبدلوا بآلات، غير أن تخوفات «لي» بشأن الذكاء الاصطناعي لا تقتصر على الرؤية السوداوية المتمثلة في خضوع البشر لسيطرة روبوتات ذكية. بل إن تخوفه الرئيس، والذي يبدو معقولاً في الحقيقة، هو أن يؤدي الذكاءُ الاصطناعي إلى تكريس التفاوت العالمي عبر وضع قوةٍ غير متناسبة في أيدي دولتين اثنتين هما الولايات المتحدة والصين.
والحال أن الذكاء الاصطناعي، بالتعريف، ينحو إلى الاحتكار، كما يشرح «لي»، وذلك بسبب اعتماده على البيانات إذ يقول: «إن المنتجات الأحسن تفضي إلى مستخدمين أكثر، وأولئك المستخدمون يفضون إلى بيانات أكثر، وتلك البيانات تفضي إلى منتجات أحسن بشكل أكبر، وبالتالي مستخدمين أكثر وبيانات أكثر». وقد شرعت الشركات الصينية والأميركية في هذه العملية منذ بعض الوقت، كما يكتب، ما أدى إلى تقدم كبير على بقية العالم.
وهذا قد يكون أمراً ممتازاً بالنسبة للولايات المتحدة والصين، ولكنه خبر سيئ بالنسبة لمعظم العالم، خاصة البلدان النامية. «فأمام حرمانها من فرصة الخروج من الفقر، سيصيب الركودُ البلدانَ الفقيرة بينما تُقلع قوى الذكاء الاصطناعي العظمى».

تفاؤل صيني
وعلى الرغم من هذه التحذيرات، فإن كتاب «لي» يبدو متفائلاً في نهاية المطاف، ولكن ليس للأسباب التي قد يعتقدها المرء. فالجزء الأخير من الكتاب يأخذ منعطفاً شخصياً، إذ يصف «لي» كيف جعلته معركة مع المرحلة الرابعة من سرطان الغدد اللمفاوية يعيد النظر في حياته كلها. فقبل أن يصارع المرض، كان يتخذ قرارات مهمة في حياته على أساس حسابات «باردة» مثل الآلة، وذلك لدرجة أن فكّر جدياً، ذات مرة، في التخلف عن مناسبة ولادة ابنته من أجل حضور لقاء عمل مهم. غير أن مواجهة إمكانية وفاته جعلته يدرك حدودَ التفكير مثل الآلة وأهمية الأسرة والحب، والدرس الذي استخلصه «لي» هنا هو أن الروبوتات لا يمكنها أن تعوض الرحمة والتعاطف البشريين.
وبمعزل عن هذه المعلومات الشخصية، فإن كتاب «لي» يدور بشكل أساسي حول التفاعل بين الولايات المتحدة والصين في عالم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا بشكل عام. والأكيد أن الجميع لن يتفق مع تقييم «لي» الوردي لثقافة التكنولوجيا الصينية التي تقلب العديد من معتقدات «وادي السيليكون» المعلَنة رأساً على عقب. والمقاربة الصينية لا تخلو من سلبيات، وما زال من المبكر جداً القول إن النموذج الصيني «فاز»، غير أن «لي» على صواب حينما يشدد على ضرورة أخذ شركات التكنولوجيا الصينية على محمل الجد.

جيش المهندسين
ربما كانت الولايات المتحدة لاعباً قوياً في الذكاء الاصطناعي في البداية، يقول «لي»، ولكن هذا الامتياز لن يدوم للأبد. ذلك أن عصر الذكاء الاصطناعي سيكافئ «كمية مهندسي الذكاء الاصطناعي الأكفاء بدلاً من نوعية الباحثين النخبويين»، كما يكتب. والقوة ستأتي من جيش من المهندسين ورواد الأعمال المدرَّبين تدريباً جيداً، و«الصين، حالياً، منكبة على تدريب هذا الجيش تحديداً»

*ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

الكتاب: قوى الذكاء الاصطناعي العظمى: الصين ووادي السيليكون، والنظام العالمي الجديد
المؤلف: كاي فو لي
الناشر: هوتون ميفلن هاركورت
تاريخ النشر: سبتمبر 2018

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©