إذن مرة أخرى ما الضمير؟ سوف يظل هذا السؤال يتكرر مئات المرات، ولن يجد الإجابة الشافية، طالما بقيت شرارته في قلب علامة الاستفهام الكبيرة، وهي أننا لسنا بعيدين عن الإجابة، وإنما نحن كبشر نفضل أن يبقى السؤال بحجم ما للضمير من فخامة تاريخية، أعطته كل هذا الزخم من الأسئلة التي لا جواب لها غير أن الضمير هو الضمير، ولا جواب له غير أنه هو الإنسان.
إذن الضمير في نهاية الأمر ليس إلا الإنسان نفسه، وبحيلة من حيله السائدة اختار اسماً هلامياً لا يمكن للعقل أن يصطاد له تعريفاً مهما بذل من جهد وتفكير للتقيد بمصطلح، على أقل تقدير يعرف له معنى.
إذن فالإنسان هو الضمير، والإنسان مخترع بارع وماهر، يستطيع أن يقلب الموازين، وأن يغير شكل المفاهيم حسب ما تقتضيه المصلحة، وحسب حاجة الإنسان، لطريقة ما في حياته.
إذن في حقيقة الأمر لا وجود لشيء اسمه ضمير كتجسيد مادي، ولا حتى معنوي، الضمير هو ذلك الإنسان المخير في الوجود، للاستدلال على الأشياء التي يريدها، كي يعيش كما يريد، وعندما اخترع الإنسان الضمير، إنما لغاية في نفسه، فعندما يقول لك العلماني، إنني أفعل ذلك، بإيحاء من ضميري، وعندما يُتهم المتدين العلماني بأنه يتصرف بلا ضمير ديني، وكذلك يتهم العلماني المتدين، بأنه يسلك سلوكاً غير حضاري، يخالف الضمير الاجتماعي، فإنهما يتحدثان باسمهما، وليس بوازع شيء اسمه الضمير، فالضمير صناعة، امتهنها الإنسان على مدى التاريخ، وبذكاء ودهاء، ليحقق نصراً على الآخر، كما يذعن الطبيعة لصالحه.
ومن المؤسف تشن حروباً، وتدور رحى معارك طاحنة، باسم الضمير، وتدمر مجتمعات، وتُباد أمنيات تحت شعار الضمير، الذي لا محل له في الإعراب، غير رغبة بشرية لتحقيق مآرب والظفر بأمنيات، ولمزيد من الانتفاخ الأنوي، لإثبات أن الإنسان مليك الأرض، وقاهر الطبيعة، ومطوع الآخر لمصلحته.
الإنسان أبدع في مجال صناعة الضمير، واستطاع على مدى قرون أن يحقق أهدافاً، ولكن قلما كانت هذه الأهداف لمصلحة غير أنانية لأن الإنسان منذ أن نبت على الأرض، وهو يصيح أنا، وما الـ «نحن» إلا في حالة الضعف والهوان، في هذه الحالة تبرز الروح الجماعية، لمنع الخوف من خطر أو تفادي الوقوع في مأزق، أو الدفاع عن قضية تهم «الأنا» قبل أن تعود على الـ «نحن» بأي نفع، إلا ما ندر.