نسمع عن فضيحة ما، أو جريمة ما، تحدث في مكان معين، وحتى ولو حادث سير، نهرع للمشاهدة، ونقف صامتين، مندهشين، منبهرين، وأحياناً يبدو علينا الحزن والأسى، والتأثر لما يحدث للآخرين، ولكنْ في داخلنا كائن ما يرقص طرباً، ويهتف اللهم فاشهد، هذه فضيحة فلان، وتلك جريمة فلان، ونحن براء مما يحدث للآخرين، نحن لم نرتكب مثل هذه الفضائح، نحن لم نأت على مثل هذه الجرائم، وفي داخلنا يغمز الكائن الداخلي، ويلمز، ويهمز، ويشير بالبنان إلى حدث ما، قمنا به، شبيه لما يحدث الآن أمامنا، لكننا نزم شفاهنا ونلوي بوزنا، ونرفض أن نكون قد فعلنا ما يفعله الآخرون.
نقول لعقلنا الباطن هذا افتراء، بل هذا هراء، نحن لا نفعل ذلك، نحن أنقياء، نحن أتقياء، نحن نبلاء، ثم نطوي جباهنا على نكران وهجران ما يجلبه لنا العقل الباطن، ونظل نستنكر ما يحدث أمامنا، ونعتبره شيئاً من الْخِزْي لا يغتفر، ثم نلمم شتاتنا ونذهب إلى أقرب الأصدقاء والأقرباء، ونحدثهم عما شاهدناه، ونحن في حالة دهشة واستنكار للفعل الدنيء الذي قام به شخص ما.
وبعد أن نظفر بتأييد من أسمعناه ما رأيناه، نشعر بالارتياح، وتغمرنا السعادة، لأننا حققنا ما أردنا تحقيقه، وبعد أن أشبعنا غرورنا ونحن نلمس التأييد ممن أسمعناه الحدث الأليم.
هذه هي سبل كل من لديه عيوب ما يعيب عليه، ويستنكفه، ولا يرضاه. إنها الأنا المخاتلة التي تبرر عيوبها لمجرد الاستمتاع بعيوب الآخرين، لتقول للإنسان الضعيف، ها هم كذلك يرتكبون الفضائح، فلا تجزع، ولا تخضع لتأنيب الضمير، فأنت أحسن حالاً منهم، وأن فضائحهم أشد فظاعة مما فعلت، وأنك بريء بالمقارنة مع جرائمهم، وتستمر الأنا تسرد قصص الآخرين، وتقلب صفحات التاريخ السوداء لكل مجرمي العالم، فقط لكي تسدل الستار على جريمة أو فضيحة من يشعر بذرة ضمير، ولكي تفتح الطريق أمام الضعفاء ليرتكبوا المزيد من الفضائح، من دون أن يرف لهم جفن، أو يطرق لهم خاطر تأنيب، ولتمضي الركاب من دون عقاب داخلي، يمنع تسرب المياه من بئر الحياة.
وهكذا نرى الذين يجوبون الأزقة والممرات، ومجالس العبث، وهم يحملون عيوب الناس على أكتافهم، لكي لا يبقى لعيوبهم مكان يشعرون بثقله.
يستمتعون بعيوب الآخرين، وينامون قريري العيون، ومن دون أرق أو قلق أو رهق، لأنهم وقعوا تحت الخداع البصري الذي تلقيه الأنا.