تاريخياً، لم تحل طبيعة المناخ، وقلة الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، دون عزم الإمارات على ابتكار الحلول في التنمية الزراعية، وكلنا يعرف أن خصائص التربة، ومكوناتها العضوية كانت تحدياً أساسياً، خاضه الشيخ زايد، رحمه الله، في ستينيات القرن الماضي، حتى انتشر الغطاء الأخضر في بلادنا، وأثبت خطأ كثير من الفرضيات عن استحالة الزراعة المستدامة في رمال الصحراء.
كثير من أنواع الزراعات والأشجار والمحاصيل الموسمية، لم تكن تلائم بيئة الإمارات، قبل عقود، وبعضها يرتبط بمواسم مطرية ثابتة، وتربة غنية، وحرارة منخفضة، فكان أن ابتكرت الدولة أكثر من حل، يتلاءم مع خصائص المناخ، وشاهدنا إنتاجاً زراعياً محلياً في أسواقنا، لمحاصيل كان الحديث عنها ضرباً من الخيال، لارتباطها بظروف مناخية، غير موجودة في الإمارات.
قفزة تنموية جديدة في هذا القطاع، نحو الاستفادة من التقنيات العلمية الحديثة في الاستدامة الزراعية، مع اعتماد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، منظومة من الحزم التحفيزية، بنحو مليار درهم، في مسعى لاستقطاب الشركات العالية والمحلية المتخصصة في التكنولوجيا الزراعية إلى أبوظبي، وهذا يعني أننا إزاء نمط زراعي جديد، يختص بالبيئات الصحراوية، التي نتشاركها مع كثير من دول العالم، ما يجعل أبوظبي مركزاً للابتكار الزراعي المتخصص.
نصل إلى هذه المرحلة، بعدما اختبرنا حلولاً زراعية كثيرة، وأنشأنا صناديق استثمار في هذا القطاع، وحققت أبوظبي نجاحات لافتة في الزراعات المائية، التي تنطلق من ترشيد استهلاك مياه الري، وإعادة استخدامها في الحاضنات والبيوت البلاستيكية، وكذلك مع اتساع رقعة الغطاء الأخضر في الإمارة، وانتشار الغابات، نحو تقليل الاعتماد على الاستيراد في مواجهة احتياجات السوق المحلية، ومن المتوقع أن تكون الزراعة مجالاً واعداً لتنويع مصادر الدخل غير النفطية في أبوظبي والإمارات.
المحفزات الجديدة، ضمن برنامج «غداً 21»، كما يقول سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، رئيس اللجنة التنفيذية التابعة للمجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، تشجع شركات التكنولوجيا الزراعية المحلية والعالمية، على الاستثمار في أبوظبي، ما يؤدي إلى «إحداث نقلة نوعية في القطاع، وتحويل التحديات الراهنة إلى فرص واعدة تحقق منافع اقتصادية متوسطة وطويلة الأجل».
أبرز المكاسب المتوقعة من هذا التحفيز، الذي يديره «مكتب أبوظبي للاستثمار» يكمن في إيجاد بنية علمية للمراكز والشركات الدولية المتخصصة في البحوث والدراسات للبيئات الزراعية الأكثر صعوبة، والتي تتطلب مواجهات مختلفة مع السمات المناخية في الصحراء، وهذه هي القاعدة الأساسية لاستدامة الزراعة في أي مكان، إلى جانب توفير الحلول للزراعة الدقيقة والروبوتات الزراعية، وإنتاج الطاقة الحيوية من الطحالب، والزراعة الداخلية، وكل ذلك للمساهمة بأكثر من 1.6 مليار درهم في الناتج المحلي الإجمالي، وإيجاد نحو 2900 فرصة عمل جديدة، مع حلول العام 2021.