أضافت أبوظبي في السنوات القليلة الماضية، سلسلة من الابتكارات المسجلة حصرياً في قطاع صناعة البرامج الثقافية والترفيهية، وقدمت للمشاهد العربي مستوى مختلفاً من المعرفة والمتعة، في سوق تزدحم بالنسخ المقلدة للبرامج الأجنبية، وبالمحتوى اليومي والسريع، قليل المردود والأثر.
وأظهرت الانطلاقة المبهرة لبرنامج «الزمن الجميل» على قناة أبوظبي، الجمعة الماضية، مدى جاهزية البنية المؤسسية الإعلامية والثقافية في العاصمة، لمزيد من الابتكارات، التي تتجاوز المألوف في المسابقات التنافسية، إلى اكتشاف المواهب والأصوات الجديدة، القادرة على إعادة التوازن إلى الذائقة العربية، بعدما طغت الأغنية التجارية، والإيقاعات التقنية على التلقي السمعي والموسيقي في العالم العربي.
«الزمن الجميل» و«شاعر المليون» و«أمير الشعراء» و«المنكوس»، وقريباً «تحدي القراءة العربي»، ليست برامج مسابقات، بالمعنى الشائع والمستهلك في الإنتاج التلفزيوني، حيث يتقدم الاعتبار التجاري، وتتراجع القيمة، أو تنفصل الرؤية والأهداف عن تطلعات الجمهور العربي، بعد سنوات من سيطرة صور الرعب والظلام على الشاشات، واستحواذ الأخبار على معظم ساعات البث، حتى أن الإنتاج الدرامي العربي نفسه، اضطر لمواكبة الأحداث، فوقع غالباً في إشكالية ما يريده الجمهور!
ليست برامج مسابقات موسمية، تكتفي بتتويج الفائزين في احتفالات مشهودة. نحن إزاء مشروع معرفي وإبداعي كبير، يقدمه «زمن أبوظبي»، وينهض على روافع قوية، تتشكل من أفكار مبتكرة، وفِرق عمل من المثقفين والفنانين، وإمكانات إنتاجية عالية، تقدمها شبكة التليفزيونات التابعة، لشركة «أبوظبي للإعلام»، وتُضاف إلى ذلك الثقة الراسخة لدى المشاهد العربي، بالصناعات الإبداعية في الإمارات، وإصرار دولتنا على تبديد اليأس في الواقع العربي، والتأكيد على أن زمن القصيدة لم ينته، وكذلك زمن القراءة، والأغنية، والتراث.
«أمير الشعراء» و«شاعر المليون» انطلقا قبل 12 عاماً، وشكّلا منصتين للقصيدة العربية الفصحى والنبطية، واكتشفا أصواتاً وتجارب عربية، واصلت مشاريعها الشعرية، بعد انتهاء البرنامجين، والأهم أن البرنامجين بصفتهما نموذجين من صناعة إماراتية، شجعا أكثر من محطة تلفزيونية عربية على المحاكاة في واقعها المحلي، وهذه المرة، فإن الشكل والمحتوى ليسا مقتبسين عن برامج أجنبية، تتناول واقعاً ثقافياً واجتماعياً مختلفاً عن بيئتنا العربية.
حدث ذلك، ضمن سياق عام في الدولة، مع التوسع الهائل في البنى والمؤسسات والمشاريع الثقافية، وفِي أبوظبي، التي باتت عاصمة للإنتاج البرامجي المختلف، الذي يواكب رؤية الإمارات، ومشروعها التنويري في المنطقة، بالانحياز إلى الحياة والإنسان، والحفر عميقاً، بحثاً عما يمكننا إضافته إلى ثقافتنا، والإيمان بقدرتها على استئناف ما انقطع، فتواصلت في أبوظبي مشروعات المتاحف العالمية، ومعارض الكتب، وحركة الترجمة والنشر، وحفظ التراث، وغير ذلك.
ومن «زمن أبوظبي»، انبثقت جائزة الشيخ زايد للكتاب في العام 2007، وأصبحت حدثاً سنوياً بارزاً في الثقافة العربية، يتطلع إليه الكتّاب والباحثون والمفكرون الشباب، للمساهمة في حركة التأليف والترجمة والعلوم الإنسانية، واعتمدت الجائزة خمس لغات دائمة بفرع الثقافة العربية في اللغات الأخرى، وعلاوة على قيمة جوائزها المالية (7 ملايين درهم)، فقد صنعت خلال أكثر من عقد، حركة تأليف واسعة، وأذكت التنافس بين دور النشر في العالم العربي.
«زمن أبوظبي» يصل هذا العام إلى إنتاج برامجي، ضمن المشروع ذاته، تقوده «أبوظبي للإعلام» في «تحدي القراءة العربي»، وهذا أيضاً منتج جديد، من ابتكار إماراتي خالص.