ما الذي حدث؟
أتذكر في ربيع العمر، في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، ثمة رياضة مختلفة، سواء في ساحة أم الألعاب، حيث كان بجانب كرة القدم ـ اللعبة الأولى ـ الأبطال يعدون بشغف بصدور قوية ينطلقون في المسافة الـ 100 والـ 200 متر يحصدون الذهب عربياً ويتألقون آسيوياً، كان راشد الجربي يسلم العصى للرفاق كمن يسلم روحه.
كان دوري كرة السلة ساحراً يلمُّ الجماهير والأكف والطبول ومكبرات الصوت، كانت بطولة لا يُعرف بطلها إلا متأخراً، الصحف تكتب وتشع بأسماء أبطال «الباسكت»، هذه اللعبة التي كان يمكن بدعمها وتشجيعها أن يكون بورد السلة في كل بيت.
فيما كرة اليد لعبة الأقوياء، لها عشاقها أيضاً، فيها أسماء كونت علامة مبهرة في اللعبة، باستعراضات لاعبي الدائرة والتسديدات الثابتة والعدو في المساحات والقفز عالياً على جموع اللاعبين؛ ضمن هذه اللعبة نجوم ترددت أسماؤهم في ساحة الأندية وعلى ورق الصحف.
كرة الطائرة كانت كذلك لها حضورها المميز، وكذلك لعبة تنس الطاولة وأبطالها الذين تميزوا خليجياً وعربياً في ذلك الزمن حين كانت ممارسة الرياضة عشقاً خالصاً والشغف الجماهيري بالألعاب حاضر على الدوام، حتى في حضور كرة القدم، اللعبة الأولى والأحب، اللعبة التي عشقناها جميعاً من هناك من الشواطئ وأشعة الشمس، من موج البحر الهادر قرب البيوت العتيقة.
لكن ما الذي حدث وغيّب كل ذلك الجمال الفاتن، من وضع بذور الشك وغيّب الجمال إلى أن أصبحت الكثير من ملاعب تلك الألعاب فارغة تصفر فيها الريح، ملاعب مهترئة وحديد صدئ، لا براعم ولا سباق سنوياً لدوري ملتهب بالتنافس.
من غيّب وخان الحب لتلك الألعاب الجميلة؟ لمن نشير بالاتهام ؟ حين نرى تلك الرياضات مهمشة، بطولات لا يعرف أحد شيئاً عنها، من غيب الرغبة في الأجيال أن تعدوا وأن تقفز عالياً لتضع الكرة في السلة ؟ أن تركض الخطوات الثلاث وتقفز عالياً لتقذف الكرة بساعد قوي، من أطاح بطرب كرة الطائرة أعلى الشبكة ؟ من كسر مضرب التنس ؟ من همّش الرياضة بصورتها الواسعة والشاملة ؟ من غيب تلك الثقافة الرياضية وأسقط شغف الجماهير ورغبة الصغار بألعاب أخرى؟
هل هي المدرسة، أم الإعلام الرياضي بكل أشكاله، أم الزمن، أو شغف الأسرة الذي خفت تجاه أن يروي لأبنائهم أبطالاً إلا في ركل كرة القدم.
لماذا رغم السنين الطويلة لم نستطع خلق قاعدة جماهيرية لتلك الألعاب الجميلة؟ لماذا لم نَقدِر على خلق ثقافة رياضية تستوعب وتستمتع بالرياضات المختلفة؟ من شوه ذلك التاريخ الجميل حتى باتت معظم الملاعب خاوية، حيث كان آخرها إنهاء مسيرة كرة اليد في نادي الإمارات برأس الخيمية، حيث تبعثر الصبية على شاطئ البحر؟