تطل الثقافة من خلال تظاهراتها المعتادة، معارض كتب وأماسي وورشاً أدبية.. لكن فئات قليلة تسمع عن هذه الفعاليات التي يبدو بعضها وكأنه بعيد بعنوانه أو مكانه، لذلك فإنها غالباً تنتهي بلا ضجيج أو أثر حقيقي. لا شك أن بعض الفعاليات مهم بمضمونه، خصوصاً لكتّاب مشغولين بالهم الثقافي منذ أعوام طويلة، فتسعده احتفالية ما، أو جائزة تقدير، أو أمسية يتفاعل معها، أو مساحة لتوقيع كتابه.. مثل هؤلاء، يبذلون الجهد والوقت، وهم يدعون إلى ما يعنيهم من نشاط ثقافي، ويكونون هم أبطاله، فيؤنسه الحضور، وتأخذه لحظة الفرح، ثم ما يلبث الحفل حتى يسكن ويتناثر الشغف.
تبدو الرياضة أفضل وضعاً وأجمل إبداعاً، ومساحة خضراء زاهية على الدوام، ومناسباتها محط ترقب من فئات مجتمعية مختلفة.. تحضر إلى الملعب فتشاهد كوكباً درياً يهبط من السماء، وتستمع إلى هتافات الناس وصخبهم، وتتابع رقصات الجمهور المشرقة، أو هكذا يصفونها حينما تستمع إلى المعلقين الرياضيين، فهم يجيدون وصف اللاعبين بالعمالقة، والمنتخبات بالكبار، ويصفون النجوم بالسحرة، ويستطيعون أن ينجّموا بالنتائج.
هذه الرياضة يمكن أن تسبب الامتعاض للناس عندما تخفق، وتشتت آمالهم العريضة، بينما لا يبالي الناس لكتاب قيّم لم يفز بجائزة دولية، جائزة ربما تعني لمن يمنحها، ولمن ينالها، ولمن يرغب فيها الكثير، فهي دليل على التحقق، وتملك وصفة سحرية لكي تمنح العمل الإبداعي عمراً لا يفنى، ويعشش في ذاكرة الأجيال.. ومع ذلك فإن زمن الرياضة يبقى أجمل، حتى حينما يتسبب الجمهور بفوضى ما، أو يتعارك أفراد على كرسي معيّن، فالهدف دائماً هو المتعة.
يحزن الكثيرين إخفاق فريقهم المفضل، ويصفون كل لحظة نجاح أو فشل بأنها لحظة تاريخية، فهو تاريخ ترسمه كرة قدم مثلاً، لكن لحظة الإنجاز الثقافي تبقى لحظة فردية غالباً، أو لحظة مجموعة من الناس في أحسن الأحوال، فتبدو وكأنها خارج الإدراك الواسع، وكأنها صنعت من وهم أو خيال، ومن سير ذاتية غامضة.
تحزننا الرياضة في لحظاتها المتكدرة لبرهة من الوقت، ويحزننا المثقف الحقيقي، وهو يتوارى خلف جدار التاريخ، ويتألم من جرح مفتوح، ويظل يشدو بالروح، ويسافر بعيداً، ويبصر بفكره الوجود ولا أحد يبصر إبداعاته، ولا أحد يقرأ سطوره، إلا من كان مثله وهؤلاء مثله أيضاً لا يخترقون الجدار.
هل من ثقافة رصينة تبرز من جديد توحي بأن لها زمناً قادماً يتيح لكل الحيثيات أن تتألق، وتمتلك القدرة على اختراق الجدار والحضور الفاعل في يوميات الناس؟