أشياء صغيرة، بحجم الغيمة الممطرة، تغزو الذهن، وتستقر كأنها القطرة في باطن الأرض. نفكر أن نزيلها، لتستمر العربة في المسير، وتعبر الطريق من دون عقبة، تعرقل الوصول إلى الفرح.
أشياء صغيرة، تبدو مثل حبة الرمل تحت الجفن تؤذيك، لكنك لا تراها، تحاول أن تنتزعها بطرف قماشة وعيك، لكنك لا تستطيع، هناك شيء ما في الداخل، في داخل غرفة الوعي ربما يكون قد بنى عشه من غير ما تدري، أو ربما تدري ولا تستطيع، أو ربما تستطيع ولا تريد، هناك أنت في اللاوعي تبدو ضئيلاً مثل نملة على ظهر سجادة مرقشة بنقاط متداخلة، هناك أنت بين التفاصيل مثل حمل وديع يضيع في غابة الذاكرة، هناك الأشياء الصغيرة مثل غزلان برية، تفر من قسورة، وتحمل أرواحها على أكف الأمل، بأنه ما زال في العمر بقية، كي تستمر في نبش الأعشاب، هناك في الأشياء الصغيرة ما يستدعي البقاء، برغم مرارة الطعم، وبرغم الأشواك، وبرغم دهاء ما يصادفك من صور، ربما هي من بقايا، ونوايا، ورزايا، ما أودع في صندوق الذاكرة، وما زلت أنت في الخضم، تعبر بين الشعاب والهضاب، ويخصب وعيك هذا المثول الأزلي أمام الرغبة العارمة، كي تكون أنت، وليس غيرك، ولكن لا شيء يفصله عن غيرك إلا الذي تفكر في نفض السجادة من الغبار، تفكر في كنس الغرفة من نفايات ليلة البارحة، تفكر في غسل ملابس الأمس، وتفكر في أشياء كثيرة، حتى تصبح هذه تفاصيل التفاصيل، وتصبح أنت بين التفاصيل حرف جر، يجر خلفه مئات الكلمات، تعجز عن حملها الجبال، ولكنك تحملها، لأنك تشعر بعدميتك من دون التفاصيل، ولأنك والشيطان واحد، عندما تكون بلا تفاصيل، فهي التي تجعلك في قلب الوجود، وهي التي تحملك إلى قمة الجبل كي ترى ما يراه النائم في الحلم، وأنت في الحلم تكون أنت، ولا وجود لك من دونه.
أشياء صغيرة جداً، ولكنها تتمدد في داخلك مثل خيوط الصوف في معطف شتائي غليظ، فظ.
أشياء صغيرة، تُعيدك إلى مربعك الأول، تولد أنت من جديد، ويقول المسيح، «إن لم تولدوا من جديد، لن تدخلوا الجنة». وهكذا فأنت تسعى إلى الجنة، أنت ما زلت في منطقة البرزخ، أنت في المنطقة الرمادية عندما تكون خارج التفاصيل، وأنت بعيد عنك، لأنك خارج التفاصيل.
الأموات فقط الذين لا تصلهم التفاصيل، لأنهم اختتموا الجلسة، ساعة جثومهم على لوح النهايات القصوى.