لو غنى العالم يوماً، واجتمعت الكلمات على حب الحياة، وشاعت الموسيقى وشعت، واتسعت حدقة الترنيمة الكونية.
لو اتفق الناس جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها، على يوم فيه يصدح صوت الحب، وعلا وارتفعت أوتاره على كل الضغائن.
لو فكرنا بذلك ملياً، وتأملنا تغاريد الطير فوق الأغصان، ورفرفة الفراشات بين أوراق الزهر، وهفهفة أوراق الشجر في فضاء الوجود، لو وهي جائزة في لحظة التفكير السليم، لانتهى البؤس، واكتست الوجوه بحرير الابتسامة الشفيفة، وانفتحت القلوب على الوجود، كأنهار تفيض بعذوبة العطاء والتضامن والتداخل بلطف، من دون تورم أو تبرم أو تضخم، أو توهم أو كظم، أو لجم، أو سقم، أو رجم، أو عدم.
يحتاج العالم إلى الأغنية، لأجل سلام يعم ويضم شتات القلوب التي أحرقها لهيب الكراهية، وسلبتها مخالب العدوانية، وهشمت جدرانها عواصف ونواسف وخواسف، وأبادت براعم أثمارها مخالب وشوائب، ومصائب، ونوائب، ونواكب.
يحتاج العالم إلى الأغنية كي ينفض عن ردائه غبارا وسعارا ودوارا وخوارا، وتنتهي من على وجه الأرض رجّات وهزّات ونكبات وكبوات ونزوات وهفوات، وعادت إلى الحياة الوعي بالوجود، وإدراك أن وظيفة الإنسان في هذا الكون، هي النشوء والارتقاء، وبناء الوجدان الإنساني من شهد الحب، وحصافة الدرب، وفصاحة البوح، وبلاغة التعاطي، ونبوغ تجاوز العقبات.
يحتاج العالم إلى الأغنية، كي يذهب إلى الآخر، من دون سوابق ولا علائق ولا مشانق، يحتاج العالم إلى الأغنية، كي يغادر منطقة الأحزان التاريخية ونفايات الفقدان الأزلي، وبراثن ما قبل الوعي، وعدوانية ما بعد الأوهام والخداع البصرية.
يحتاج العالم إلى الأغنية، لأن الخليقة البشرية بدأت بتناغم ما بين الموجة والغيمة، وما بين الرمش والرمش، وما بين النظرة والنظرة، وفي سالف العهد كان في رقصة الطير علامة على الانغماس في الحب، والاندماج في بعث حياة جديدة تنمو في الصلب والترائب.
يحتاج العالم إلى الأغنية، لأنها الغيمة التي تغسل وجه العالم من تراب المعارك العدمية وفوضى العبثية. يحتاج العالم إلى الأغنية، لأنها النهر الذي يعيد لأوراق الأفئدة نضارتها واخضرارها، لأنها النسيم الذي يجفف عرق المتعبين، ويزيح عن كاهل المغبونين تجاعيد الأسى.