الغافة.. عند شفة الصحراء، تبدو الغافة الزاهية، رضاباً يخلد في الزمن، ويسرد الحكاية، لإبل السفر البعيد، تبدو في الوعي الإماراتي قلم الرمال الذهبية، تنسج في الذاكرة، خيوط قماشة الحلم البهي، وأهداب العيون الحور، التي أيقظت في وجدان التاريخ، بريق القصيدة، وأنشودة الطير على القمم الشم.
غافة الصحراء وجد الإنسان، وجوده، ووجوده، الذاهب في النسل، سلالة يعربية، بأخلاق الجذور الراسخة، في ثنايا الكون، المنحدرة من أبجدية الكلمات، وتألق الأبدية. غافة الصحراء مكان في الزمان، وزمان يخصب خصال الأوفياء، فيتلون آيات الإرث الجميل، ويرتلون المآثر، بجود، وتجويد، حيث الغافة في الوجدان، شجرة الخلود
وأيقونة التاريخ، تفوه بما جادت به النوايا، والسجايا، والطوايا، وتنتمي إلى شلات البدوي، والسنام، جبل يخب على أديم التراب المبجل، ويجلجل بالنشيد، ويجلل الربوات، بما نحتت به الأقدام، وما رسمت من صورة مثلى لكد وكدح، حتى اشتاقت النوق لروايات كانت صفحاتها كثبان صقلتها أنفاس الناهلين من الأمل دفقة، ومن شموخ الغافة نبضة، ومن وثبات الجياد نغم الأغنيات ذي الشجو النجيب.
غافة الصحراء، عندما يحتفي بها النجباء، إنما هو تخليد لذات إنسان أزهرت أوراق قلبه، عند أفياء والظل الظليل، فكان الخليل، والجليل، والدليل ووجه اللجين الجميل، كان في الأصل، جذراً، وقدراً، كان في الكينونة، جوهر التلاقي والتساقي، وأثمد المآقي، كان في الذاكرة، حبراً وسبراً، وخبراً، كان في رحلة السفر الطويل، أنباء ما تروية الغافة للمسافر، وما تكنه الخصلات الخضراء، من أنثوية نجلاء طالعة من أحشاء الأرض، مثلما هي الأجنة في أتون الترائب النبيلة.
الغافة.. يذهب على أثرها النبلاء، فينسجون من حرير الذاكرة، ما شقشقت به النجمة، وتاقت إليه الغيمة، من نث، وبث، وحث، حتى تسامت الأغصان، وترامت الأشجان، وتماهت الأفنان، مع الكواكب والنجوم، والقافلة، تعبر من هنا، من حياض الغافة، والأحداق كقرص الشمس، مضاءة بالحب، والولاء لشجرة، طالما أرخت سدولاً كي ترتقي الأعناق إلى سقف السماء العالية، وتتوج الرؤوس بمجد شعب، ما ظمأ له خاطر، ولا جف طموح، لأنه من ماء العزيمة مشربه، ومن عراقة الغافة بذله.
فشكراً للنجيب، اللبيب، وهو يتوج التاريخ، بخير إرث، وأطيب أثر.