وجوه تجد على وجناتها علامة استفهام أكبر من حجم الشمس، تفسر مدى ما للعقول من فضاء يتسع للعالم برمته، وجوه نعتقد أنها تعبر عن كهولة عمر، بينما هي تسفر عن مساحة الألم الذي يسكن المهج، عندما ترى الآخر قد رصفها عند مناح نائية، واستغنى عن هديلها، واعتبر شروخ الصوت ما ينبئ عن ذبول أغصان الشجرة.
وجوه ترى عليها بعض غبار، ولكنه غبار المشي على أرض طينية، وليس لأسباب تراكم سنوات العمر، وجوه ترى عليها أخاديد، وتعتقد أنها حفر الأيام المباغتة، ولكنها هي الجداول المائية العذبة التي لا زالت تتسرب من عيون العقل المتوهّج بضوء السراج المنير.
وجوه تشيخ بفعل عمل العقل الذي يحفر في الوجود حروفه الأزلية، ليكتب رسالة موجهة إلى العالم، بأن العقول كالأنهار، كلما زاد مطر الأيام، وتعددت سنواتها فاضت العقول بأحلامها المتفائلة، وندت بطاقتها الإيجابية، وتمددت في الحياة فيحاء، تبوح بسرها، وتمتطي جياد الهوى عشقاً أبدياً، وتمضي في شعاب، وهضاب تقطف من شدو الحمام البري أغنيات المدى المتدفق نغماً أبدياً، يسري في حنايا الكون كأهداب الشمس، وهي تخيط قماشة الأبدية بأناة وروية، وتهدي للكائنات نسق الوحدة بين مكونات الخلق.
وجوه تشرق بحبات العرق مثل فصوص الذهب على نحر عاشقة في نهار متألق بالهوى والأشواق، وفي لحظة تدفق تملأ وعاء القلب نبضات التلاقي ساعة انفضاض لحظة الفراق، وجوه يكسوها سؤال الوجود، كما يكسو الأقمار غشاء التحليق فوق قامة الغيمة، وجوه تمطر بالابتسامة، بعدما مرت على العقول سحابة الأمل، ولم تنحنِ لريح النأي وتضاؤل الوعي.
وجوه ترسم على صفحات الهواء الطلق صورة علقتها العقول على سبورة الحياة، تعبر عن قوامة العقل ومقامته وقيامته في كل لحظة يمر على
مرآة الحياة مشهد من مشاهد تلقي الضوء على عمر لا يزال في ريعانه، مهما بلغ في الوجه من تجاعيد المعارك الزمنية، وجوه من ملح العقول، تتفصد ماء مثل الملح وتتندى من أثر النضوح وعياً، وتقطر من لمعة الندى في صبوة العقول الحادبة في صحارى الله، سعياً إلى إرواء الشجيرات عند ضفاف الأنا.