كرة القدم هي خبز الشعوب، وسلوة الفقراء والمعدمين، يجدون فيها العوض عن الكثير من الكماليات، أو حتى بعض الأساسيات التي حرمتهم منها الحياة، وحتى نهاية القرن الماضي، لم يكن من الصعوبة عليهم متابعة المباريات، والاستمتاع بالبطولات الكروية مجاناً، حتى جاء غول الاحتكار والتشفير ليسرق منهم متعتهم، ويسلبهم حقاً أصيلاً كان يهون عليهم الكثير من مشاكلهم، واليوم باتوا محرومين حتى من متابعة كرة القدم.
فاليوم كرة القدم هي لعبة المال والأعمال، كانت نشاطاً رياضياً بحتاً، واليوم تحولت إلى معادلة اقتصادية معقدة، ادفع لتشاهد، وإلا فلا حاجة لك بها، وتدفقت المليارات من تلك القنوات لتنعش خزائن الجهات المسيرة للعبة في كل مكان، ولم تترك هؤلاء الناس في حالهم، لتقاسمهم في أقواتهم ورزق عيالهم.
اليوم كأس آسيا في الإمارات، فكيف لا يحق لمن يعيشون على هذه الأرض، أن يشاهدوا ولو لقطة يتيمة لمنتخب بلادهم إلا باشتراك، ماذا عن أولئك الذين يعيشون في بعض الدول الذين يعانون اقتصادياً، ويشتكون من ضيق ذات اليد وصعوبات المعيشة، وهم يجدون أنفسهم أمام خيارين، إطعام عوائلهم أو الجري خلف شغفهم، والاستمتاع بمباريات كرة القدم.
هي ظاهرة عالمية، ولكن لماذا لا نفتح ملفاتها، أين تذهب تلك الأموال الطائلة، وكلما ارتفعت القيمة السوقية للبطولات الدولية يكون التساؤل، وما الذي سيجنيه ذلك المشجع البسيط الذي يعشق رياضته الشعبية الأولى، حتى يحرم من متابعتها، لمجرد أن هناك أشخاصاً محدودين غلب عليهم الجشع، وعشاق اللعبة أمام خيارين، الحرمان أو الدفع.
لست مقتنعاً بما يقال حول تلك الأموال، وعن حقيقة توجيهها لتطوير اللعبة، فقد انتفخت جيوب الفاسدين، وتضاعفت عقود اللاعبين بصورة مبالغ فيها، وقد تشاهد مباراة تتجاوز فيها القيمة السوقية للاعبي الفريقين أكثر من مليار دولار، وهذه الأموال هي تلك التي انتقلت بطريقة قانونية، ولكن لا يمكن أن أصفها بالأخلاقية من جيوب الفقراء، إلى خزائن الأندية التي تزداد ثراء وثراء.
فهل تطورت كرة القدم؟ بالطبع لا ولكنها باتت أكثر تعقيداً، وتمكنت منها الطبقية واتسعت الفوارق بين الأندية، وأصبحنا نرى برشلونة مسيطراً على الدوري الإسباني، واليوفي لا يجد له منافساً في الدوري الإيطالي، وحتى الأندية التي كان لها في يوم من الأيام هيبة وتاريخ وسطوة، أصبحت اليوم بلا حول ولا حيلة ولا قوة، فهل هذا هو التطوير الذي يتحدثون عنه، أعيدوا للناس كرة القدم، أعيدوا خبز الشعوب وسلوة الفقراء، فهي لا تقل أهمية بالنسبة لهم عن الغذاء والماء والهواء.