أريد السرير لي وحدي، أريد أن أصحو وحدي، لا أريد أن أتكلم على الريق، أكره الحديث قبل الإفطار، أحب أن أنام على السرير وبالعرض، أكره الشعر المتساقط على صحن المغسلة، أتضايق من رؤية أرضية الحمام المبتلة، أحب أن أرى السيراميك لامعاً مجلياً، أحب أشياء كثيرة وصغيرة، أحب النوم على شقي الأيسر مثلاً، أكره غطاء الوجه والرأس، أحب إن كانت لي نافذة ومطلّة على البحر أن أستيقظ وعيني فيه، أحب الأزرق وأمقت الرصاصي، لا أدري لماذا يشعرني دوماً بالخيانة.
أنا لا أفهم في الحساب كثيراً، وأحب أن أشتري بلا حساب، أحب كل شيء في اتساعه.. الأكل لشخصين والفطور بيضتان ولقمتان وخبزتان، من كل شيء اثنان.. هكذا أبحرت سفينة نوح لتبقي على الحياة، أحب الحياة الملونة، أستطيب الخضرة والمكان الظليل، لا شيء مثل النخيل يشعرني بالألفة والمودة الصادقة.
أحب «الشوكولا» ذات اللون البني الفاتح، ولا أستطيب ذات البني المحروق، أحب الصيف أكثر، وأحب الشتاء، لكن بشروطي، لا ملابس جلدية لامعة، ولا تلك التي تشبه جلود النمور، أحبه إن كان مصحوباً بمطر ورائحة كستناء، وبامرأة تتدثر بالفرح والخيلاء، لا أحب ثمار البحر، ولا أحب صدر الدجاج، الخبز هو كفاف يومي، هو لقمتي في كل الموانئ ولو غمسته بالزيت أو رطبته بدبس الرمان أو عدت به كعادة طفولية مغموساً بالشاي والحليب، أحب لعب الأطفال تلك الأشياء الجميلة التي حرمت منها، أكره الأكل بالملاعق، أحب أن أمد رجلاً فأستريح، وأمد يداً فأشبع، لكنني لا أحب اليد السفلى، ولا الوجه الذي لا يخجل، ولو يبست مني العروق.
أكره الماء الفاتر، وما زلت أحب متابعة لاعبة التنس الأرضي «كورنيكوفا» وزميلتها التي لا أعرف اسمها، لكن يعجبني رسمها، ولاعبات كرة الطائرة «التشيكيات».
أنا لا أفهم في «المكرويف» ولا كيف تعمل الثلاجة، ولا كيف تطفأ الغسالة، ولا أفرق كثيراً بينها وبين النشافة، ولا أريد أن أفهم في الأدوات المطبخية، ولا أحب أن أسمع رنينها، ولا أن تجاورني رائحتها، أكره صوت المكنسة الكهربائية، وتصافق الأبواب، وتوترني رؤية إسطوانة الغاز في المنزل، أشعر أنها مثل رجل سمين وغريب عن الدار.
أنا اليوم صعب في ضحكتي، وصعب في حزني، وصعب أن أروّض، أكره الصراخ والصوت العالي، وشتائم النساء التي تجرح الأنثى، وقنوات الأغاني، أحب نشرات الأخبار، ولو أطل من خلالها ذاك المذيع المنكوب الذي لا يبشر وجهه بالبشائر، أكره مشاهدة مسلسلات الزواج والطلاق والبكائيات المُرّة على خيانات متخيلة، مثلما لا يمكنني أن أسمع مطرباً لمدة ساعة وهو ممسك بالميكرفون متخشباً، ويكح بصدق من صدره، أو مغنياً كاشفاً عن صدره ويغني من «دماغه»، يضيق نَفَسي من المذيعة البلهاء التي يكسو رأسها الفارغ الشعر وحده!