أعتقد أن الجميع سيختلفون حول المقصد الحقيقي من فكرة الفيلم الإسباني The Platform «المنصة»، الذي عرضته إحدى شبكات التلفزة المدفوعة الأكثر انتشاراً، والحقيقة أن الرؤى حول هذا الفيلم متطرفة بشكل غير مسبوق، بين من يعده فيلماً سيئاً ولا معنى له، وبين من يعتقد أنه من أهم الأفلام التي أنتجت على الإطلاق، عن نفسي قررت أن أتطرق له عبر عدد من الأعمدة التي ستأتي لاحقة، حول أهم ما يمكن أن يلهمنا في هذه الفترة الحرجة التي نعيشها في زمن «كورونا».
بدايةً، أدعو الجميع لمشاهدته رغم احتوائه على بعض المشاهد الدموية، إلا أنها مهمة جداً لإيصال قسوة ما ينتظر البشرية مستقبلاً، في حال أصر الناس على عاداتهم الحالية في التعامل مع أغلى ما يحتاج إليه الإنسان على الإطلاق، ألا وهو الطعام، إن الإدراك الحقيقي لقيمته لا يتأتى لأي مخيلة بسهولة،
ذلك أن قرص الجوع لا يعرفه الكثيرون منا، وهو ألم قد يصل في منتهاه إلى أن يأكل الناس بعضهم بعضاً، إنها فكرة حقيقية رغم بشاعتها، عاشتها البشرية في ظروف مختلفة، سواء بعيدة أو قريبة جداً، كما حدث في سبعينيات القرن الماضي، بعد زلزال اجتاح الصين.
في فيلم «The Platform» يحاول البطل أن يقنع الناس أن يأكلوا فقط، ما يسد احتياجهم، لتتبقى للآخرين فرصة للحصول أيضاً على ما يسد احتياجهم!
الفكرة بسيطة جداً، ولكنها غير ممكنة إطلاقاً، في ظل النهم الذي جبل الإنسان عليه، تلك الرغبة الوحشية في الحصول على الشيء حتى أقصاه، ولتغيير هذا النهم يحتاج الإنسان إلى تمرين عقلي شديد ولصرامة مجتمعية وقوانين رادعة.
ورغم أن الموضوع ليس جديداً حول هدر الطعام أو استهلاكه المفرط، إلا أن هذه الفترة التي نعيشها تجعلنا نتعامل بشكل مختلف وأكثر جدية تماماً مع هذه النعمة التي ترتكز حياة البشر عليها، إنها فرصة لنراقب أنفسنا بصدق
وأمانة وقدر كبير من الحزم في الطريقة التي نتعاطى بها مع الطعام في تناوله وتخزينه ومساعدة الآخرين به، لأننا لو لم نفعل ذلك الآن في ظل هذه الوفرة، سيكون الوضع في المستقبل في غاية الصعوبة علينا وعلى الآخرين، الذين سيكون لهم سلوك آخر غير متوقع في سد جوعهم.