الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

بدر الدين الإدريسي يكتب: هيدالجو الذي رحل

بدر الدين الإدريسي يكتب: هيدالجو الذي رحل
2 ابريل 2020 00:09

وسط مشهد المطاردة الإنسانية الشرسة لفيروس «كورونا» المستبد قبل المستجد، نزل الخبر الحزين، رحيل من كان للكرة الفرنسية أولاً، وللكرة العالمية ثانياً أحد الملهمين والمبتكرين، الذي ينتمي إلى جيل صنع كرة القدم الجميلة والرومانسية التي ميزت ثمانينيات القرن الماضي، الأسطورة والمدرب والفيلسوف ميشيل هيدالجو.
قضى ميشيل نحبه، بعد صراع مرير مع مرض الشيخوخة، وبكت فرنسا رحيل مبدعها بحرقة مرتين، الأولى، لأن من رحل قبس من ضوء، ينير ركناً من تاريخ أمجاد فرنسا الكروية، وأخرى لأن الجيل الذي لمع بفضل عبقريته، لم يتمكن من إلقاء نظرة الوداع على جثمانه، قبل أن يوارى الثرى، لأحكام صدرت عن فيروس «كورونا»، بإخلاء الأماكن العامة حتى المقابر منها، وعدم المغامرة بأي تجمع من أي نوع، والتزام البيوت، مخافة تفشي الوباء، بصورة ألعن من تلك التي حدثت من قبل.
هيدالجو الذي اعتلى الجهاز الفني للمنتخب الفرنسي، أواسط السبعينيات، في زمن عاشت خلاله الكرة الفرنسية، احتباساً أفضى إلى اليأس، في رؤية جيل يذكر الفرنسيين بجيل الأسطورة فونتين الذي بلغ نصف نهائي كأس العالم بالسويد عام 1958، يصبح المرجع القوي في التاريخ الحديث للكرة الفرنسية، لا بقوة الشخصية فحسب، وليس بـ «الكاريزما» الكبيرة التي كانت تجعله وديعاً ورومانسياً، في أعين الناس فقط، ولكن أيضاً بالذكاء المولد للإبداع لديه، عند تتلمذه على يد كبار فلاسفة كرة القدم.
هيدالجو هو من وضع الأساسات الأولى لمنتخب «الديوك» الذي يرتفع صوته، ليملأ العالم طرباً في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وأيضاً في نهاية العقد الثاني للألفية الثالثة.
مع هذا الرجل الذي لم يكن يعتقد بوجود لا مرجعية مثالية، ولا فريقاً مثالياً، ولكنه يجزم بوجود جوقة من اللاعبين المهاريين يحتاج المدرب إلى كثير من المهارة، ليدمجهم في قالب تكتيكي، يبرز مواهبهم وعلو كعبهم، هذا الرجل صنع لفرنسا وللعالم الكرة «الضاحكة»، والمعتزة بألقها وجمالها، وتمكن في آخر السنوات الست التي قضاها على رأس منتخب فرنسا، من أن يكون أحد الذين حولوا مونديال 1982 بإسبانيا، إلى أكثر المونديالات رومانسية وإنتاجاً للبهجة والفرجة، فالمنتخب الفرنسي الذي اشتهر وقتذاك بمربع الذهب المشكل من تيجانا، جيريس، جانجيني وبلاتيني، بلغ نصف النهائي وخرج منه، بعد مباراة أمام «الوحش» الألماني، هي أكثر المباريات «تراجيدية» في تاريخ كأس العالم، وسنتان بعدها يعتلي قمة أوروبا، ليهدي فرنسا لقبها الخارجي الأول.
«كرة قدم الخالصة، المدروسة والهجومية، التي يُنظر إليها على أنها استعراض ثقافي، وترتكز على البحث عن التفوق العددي، هي بكل بساطة كرة قدم من دون حساب»، هكذا كان يفكر هيدالجو، وهكذا كان يفلسف كرة القدم، ليجعلها مصدر بهجة وسعادة لكل الناس.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©