لا فرق لغوياً بين المحجور والمحجوز إلا نقطة، لكن الحال من بعضه، خاصة إذا كان من المتقاعدين، فإن يومه يبدأ مع صلاة الفجر، فالساعة البيولوجية ما تزال مضبوطة على أيام ما قبل التقاعد، الاستيقاظ مبكراً، سيعدّه الأولاد، وبالتأكيد الزوجة من الأمور المزعجة، الحنفية وتدفق الماء في الحوض أثناء الوضوء، وما يتبعه من مضمضة واستنشاق واستنثار، يكفي لأن يصحو جارك المتكاسل عن صلاة الفجر، وهو بداية تقلب الأولاد وأمهم في الفراش، وإبداء امتعاضهم على الريق، تنهض تريد قهوة وفطوراً، تقول الشغالة لا تجيد عملها، غير تلك الشكوك الكورونية التي تنتاب الجميع، وتظل العيون دائماً مسلطة على اليدين بدلاً من الوجه، تلوذ بركن قصي، وتقول سأقرأ الصحف إلكترونياً، تتأبط «الآيباد»، وتظل تتنقل وتقرأ حتى تشعر بنوع من السِنة تحوط حول جفنيك، فتقفز لا تريد النوم، تتمشى في ذاك البيت على أطراف أصابعك، يبدأ الأولاد بالنهوض الكسول لتلقي دروسهم عبر «التعلم عن بُعد»، تفرح، وتأتي مُسلماً مبتهجاً، تجد وجوه الصغار وأمهم أشبه ما تكون بوجه من أصبح ووجد راتبه مخصوماً النصف، جميعهم يردون السلام من دواخل بيجاماتهم، تنسحب إلى الحديقة الخلفية للمنزل، لا شيء حي غير شجرة جهنمية تستدعي طيوراً لا تمكث طويلاً، تأتيك رسالة من «غروب» متكاسل، فيها إحصائية المصابين الجدد بالفيروس، والتي قرأتها أمس المغرب، رسالة أخرى صباحية من صديق عن فضل صلاة الفجر، ودعاء يغلب عليه السجع، يقطعون عليك تأملك، تعاود تستعرض الحديقة لا شيء مبهج هذا النهار، يقرقر بطنك، تنتظر الزوجة حتى «تستفيق»، وتتابع أولادها، وتتأكد من جاهزية حواسيبهم، بعدها تصنع لك قهوة وفطوراً تشك أنه غني بالألياف، تجلس صامتاً، منصتاً، ستظل تتحدث عن الكورونا مثل كل يوم، ينتهي الفطور، وتبقى بعدها مثل المضروب على رأسه، لا تعرف ماذا تفعل؟ تتصل بصديق، وبعد العتب عليك منه، يفتح لك سيرة الكورونا، تتخلص منه بسرعة، قبل أن يصيبك التثاؤب، ويهجم عليك الاكتئاب، تفتح التلفزيون، تسمع صريخ الحرمة: «خفض الصوت العيال يدرسون عن بُعد»! تلبد في مكانك، تحاول أن تفهم على مذيع نشرة الأخبار من خلال قراءة لغة الإشارة، وتتابع شريط الأخبار المتحرك، تقلب على قناة «ناشيونال جيوغرافيك»، بعدها تظهر قناة واحد دجّال يبيع الأعشاب في زمن الكورونا، ثم قناة الحاجة «حسنية» التي تجلب الحبيب، وتفك السحر، وتحوطك بالحجب عن الإصابة بالكورونا، تهرب نحو الثلاجة، لا تريد شيئاً، بس قلة شغل، تفتحها مرتين وتسكّرها، تطلع إلى السطح، تشاهد سيارتك مُغبَرّة، تتأمل الحي السكني، ولا «سكّني ظاهر برا»، تذهب للغرفة، تسمع الحرمة تصرخ: «اطلع.. خَلّ الشغالة تنظف الحجرة»، تتأمل رفوف المكتبة، تشعر أنك لا تريد أن تقرأ، تفتح «ألبوم» صور قديمة، تمضي الساعة، وأنت تسترجع تلك الذكريات بلذّة، وتعنّ عليك أغاني «ميحد حمد» القديمة، تأتي الحرمة، وتحسدك على ذكرياتك، فلا تجد شيئاً تقوله إلا: «شو رأيك أحط لك أغاني ميحد حمد القديمة.. قم شوف لك شغل» تنزل المطبخ تتبعها، فتصرخ: «اطلع برا..»!