رآني ابني منصور في وقتنا الصعب، وفي حجري المنزلي، جالساً متبرقعاً بالقناع الأزرق، والقفازات الزرق، والنظارات الطبية، فجفل وقال لي: «بابا.. يو لوك لايك آ دانتست»! فضحكت بصوت عالٍ، وأخرجني من سماكة وثقل الجلوس في البيت، خاصة وأنني لا أجيد أي عمل منزلي، وإذا دخلت المطبخ شعرت الحرمة كم أصبح مطبخها صغيراً وضيقاً، وأنني أعيق انسيابية حركتها، وتكره ما أقوم به عليها من هندسة غير ضرورية، لكن ملاحظة الصغير جعلتني أتأمل بعض الوجوه، وهي ترتدي القناع، وكيف تبدو فيه، وأي المهن تجدها أقرب لشخصيته المقنّعة:
- بعضهم ما إن تراه عابراً مستعجلاً، والقناع يستر وجهه، تشك مباشرة في نواياه، وفيما هو قادم على فعله، خاصة وأنه أقرب لشخصية خالع الأقفال.
- بعضهم يزيد القناع، قفازات، ويبدو متأنقاً مثل سائق «ليموزين» سيوصلك إلى المطار أو أنه مرسل من فندق راقٍ، ليقلك مع كثير من الود من قاعة كبار الضيوف إلى جناحك الفندقي.
- بعضهم يهينون القناع، ويصبح مسودّاً على الأطراف، وليناً مثل جوارب طفل، يتراءى لك بذاك المنظر، وكأنه نجار، فقط ما ينقصه وضع قلم على أذنه، لتَكمل.
- بعضهم، وخاصة الممتلئ مع قصر بيّن، ووجهه طافح بالعافية، وروائح الصابون تخرج من مسامات جسده، ما إن يلصق ذاك القناع باحترافية واضحة على وجهه، حتى لا تستطيع أن تميزه عن أي طبيب معالج، تخصص أمراض نساء وولادة.
- بعضهم تشعر أنه في وجل دائم، وعدم ثقة واضحة، ويشكك في كل شيء، وكثير الظنون، ولا يدري ما يفعل، حتى إنه يشكك في القناع الطبي نفسه، بأنه ضحك على الوجه.
- بعضهم، بصراحة، القناع ابتلي بهم، يعني مستحيل يثبت ذاك القناع على وجوههم، خاصة وأنهم كثيرو الحركة، ولا يستقرون في مكان من القلق، والتسبب في إرباك الناس أكثر وأكثر، والواحد منهم مثل تلك الحرمة تظل تعدل برقعها يمين، يسار، والقضاب لا يستقر على أرنبة الأنف، ما ترتاح إلا إذا شربت فنجان قهوتها، تلقاها تطاولته بطرفي الإبهام والسبابة، ورفعته لفوق قليلاً لتتنفس، وتنفس على المتابعين القلقين.
- وحدها الوجوه النسائية تتشابه بالقناع، ولا توحي لك أي منهن إلا كونها ممرضة متمرسة من ملائكة الرحمة.
- العجيب أننا لم نر مطوعاً حاطاً قناعاً، حتى ذاك الذي يقول إن «الكورونا» ذكر في القرآن، وفسر سورة المدثر على تركيبة أعراض «الكورونا»، ولا أدري لو لم يظهر «فيروس كورونا» كيف سنفهم سورة المدثر، بتفسير الطبري أو القرطبي أو الفخر الرازي أو ابن كثير!