- لأننا نعيش في ضيق مجبرين عليه، نتصارع يومياً مع النفس، ملزمينها بأن تقبل تضحية الفرد من أجل سلامة الجميع، ودافعينها لتقبل ذلك التعايش والتأقلم مع الظروف المحيطة، فلا التعالي مقبول، ولا «أنا» المتورمة اليوم مقبولة، ولا الرفاه الاستهلاكي مقبول، ولا شيء يمكن أن نرفعه في هذا الحاضر، وللمستقبل غير الوعي ضد الجهل، وغير شعار الفرسان الثلاثة: «واحد من أجل الجميع، والجميع من أجل واحد».. اليوم كل الناس شركاء لخروج مجتمعنا متعافياً، وزاهياً، ومقبلاً على الحياة، كل المهن فيه هي خطوط دفاع أولى عنه.
- لو دخلت مدينة ما، ووجدتها بلا ريح تلعب في زواياها، ولا نسمة آتية من جهة بحرها، الكل ساكن ومهادن، الأبواب مغلقة، والنوافذ صامتة، والشوارع خالية، ولا أحد في ذاك الفضاء إلا أنت كسيد وحيد في تلك المدينة، فهل تقبل التتويج بلا صخب، أم أن الحياة هي الناس؟
- ليس أجمل من عطر موسيقيّة بعد أدائها عزفاً ساحراً على كمانها، حتى تماهت أصابعها مع القوس الوتري، مع ذلك الخشب الناطق، والشعر ينزاح ساكناً ضفة واحدة من نهر وجهها، لقد غدت ساعتها مثل لوحة رسام يستمطر الألوان، ويستدعي الريح لعرس غاب صاخب، مكلل بفتنة الظلال، وغواية الاشتهاء. لو غادرت تلك الموسيقيّة ناسية شيئاً من عطرها في أنفك، وكثيراً من عزفها في رأسك، وتلك اللوحة الأيقونة كحلاً لعينك، ألا تشعر حينها أنها أيقظت في روحك رائحة امرأة نذرت نفسها للمعبد؟
- لِمَ حين يستجد خطب أو ترهق الروح أو يأتي تعب ويتسلل إلى النفس، جاعلاً الخطى متثاقلة، والأمور غير متوازنة، تريد أن تهرب إلى مدينة مسقط الرأس، وإلى النخلة التي دفن تحتها شعرك، زغب الولادة الأول، والتي كبرت معك، والتي تحب ظلها كأبرد شيء، والتي تظل تتذكرها في نهار مسافات المدن، والتي تتمنى أن تكون الغفوة الأخيرة تحت سعفها، لمَ تستدعيك مدينتك ونخلتك في ساعات الوجع؟ وساعات الفرح الجماعي، تريد التوحد بها، والانزواء فيها، لِمَ تهدأ الروح فيها، وتسكن عندها؟ ربما لأنها مكان الفرحة الأولى التي عرفتها، مطرح البراءة التي عشتها، وحيث أنت كما كنت أنت، تتساوى عندك الأشياء، يدهشك صغيرها، ولا يعني لك كبيرها، المهم أن تخرج بلا شر، ولا تقدم إلا على خير، ولا يقتص منك مظلوم، ولا تعرف نفسك إلا الحب، والمعنى الكبير الشكر والإيمان.