قائدٌ استثنائي اختصر مرحلة الوباء، والوجس، والهلع، والتباعد الاجتماعي ولخصها في عبارة خالدة: «لا تشلون هَمْ» التي أصبحت درساً من دروس القيادة في الأزمات والطوارئ، وهي منبثقة من جذورٍ متأصلة في الثقافة الإماراتية بأن «كلمة عن ألف كلمة»، وتعكس شغف سموه وعلمه ومعرفته العميقة بمتطلبات النفس البشرية وتوحيد عناصر وجودها ووجدانها فيطمئن المرء من الأمور المعنوية التي تشغل فكره، وتلك التي تلامس واقعه وحياته اليومية. وكما يفعل بنا الوقت في مساحاتٍ كنا نوظفها لمشاغل أخرى جُرِفتُ لتصفح ما يضعه الآخرون على منصات التواصل العائمة فاستوقفتني جملة كتبها صالح الناخبي: «بالعالم كله يسموه الحجر المنزلي ومنع التجوال، الإماراتيون لديهم تسمية غير هي التعقيم الوطني، ومن الاسم توحي بالاطمئنان ولا تثير الخوف.. العالم يقول نفسي نفسي وظهر الإماراتيون يقولون للعالم: نحن معكم ونمد لكم يد العون. أمس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد يتصل بالأسد ولم يترك سوريا لوحدها.. أي قلوب يملك هؤلاء؟».
في خلوتي مع كتاب «آداب الملوك» لمست نموذج القيادة والقائد الاستثنائي، يقول أبو منصور الثعالبي إنه «بالعدل قامت السماوات والأرض» ويفسر مفهوم العفو كصفة تلازم النبلاء فـ«العفو من أفضل الأخلاق للملوك الأفاضل، وأعوَدِها عليهم في العاجل والآجل».
وكما ليس لعطاء صاحب السمو نهاية يثني الثعالبي على عطاء الملوك فيقول: «معلوم أن الجود من أفضل الأخلاق وأعظمها وأشرفها لأنه من صفات الله سبحانه، وأحق الناس به الملوك، لقدرتهم عليه، وتوغلهم في ذرى المعالي، ووقوف جلائل أمورهم، ومعاظم شؤونهم عليه».
ويذكر الثعالبي أن أنوشيروان العادل وتعني الروح الخالدة، وهو ملك الفرس بل هو كسرى الأول نظر إلى وزيره بزرجمهر وهو يوصي أحد حاشيته، فسأله: بم أوصيته؟ فرد الوزير قائلاً: قلت له أطع ولي نعمتك في ما أمرك به ونهاك عنه كطاعة من أنشأك ورزقك، فإن طاعة من مَلَّكَهُ الله تعالى على خلقه مقرونة بطاعته وطاعة الله توجب الرحمة، وطاعة الملك توجب الإفادة.
للعارفين أقول: لقد سلط الوباء الضوء على عمق إنسانية قيادتنا الحكيمة وآدميتها وأخجلنا من أنفسنا، فعبارة «لاتشلون هَمْ» تعني أن كل الأمور حتى تلك التي تدور في خواطرنا عليها أن تتلاشى، فهناك من حملها بدلاً عن كل نفس تتنشق هواء الإمارات.. نعم، يا دار العز والفخر لقد أقسمنا وعقدنا العزم على خدمة الوطن وقيادته «حتى نذوق الموت»، وأقول لدولة الإمارات العربية المتحدة «شدة وتزول وبمحمد أبشر يا وطن».