عندما يتواضع الكبار، يمطرونك بأحلام الطير، ويملؤونك بزهو الأشجار السامقة، ويخبؤون في معطفك عقيق الأبدية الزاهي.
عندما يتواضع الكبار، فإنهم يكبرون فيك الفرح، ويخصبون فيك العزيمة، ويخضبون الإرادة بحناء اللحظة المباركة.
عندما يتواضع الكبار، تزخر الأنهار بعذوبة الرشفات، ونصوع الأجنحة، ورفرفة الزعانف، وهفهفة النجمة على السطح الرقراق، تبدو أنت سنبلة فضيلتها أنك تمضي بمشاعر أشبه بشفيف الفراشات وعطر الورود، ولون الصحراء الذهبية.
عندما يتواضع الكبار، يصبح للكون رونق الثوب المرقش بالزري، والمنقش بحبيبات الفضة، والمجلود بحسد أنعم من الحرير، وأندى من الندى، وأرق من عيني غزالة في أقصى النجود الخضراء.
عندما يتواضع الكبار تخضر الأرض، والسماء ترفل بسندس الصفاء، والبحر يطرب لوشوشة الموجات ونشيد السواحل، ورقصة المحار بين أيدي عشاق البريق الأنيق.
عندما يتواضع الكبار، تتخلى العوارم، والحوازم عن غيها، تبسط الرياح يد السلام، وتزهر عيون الحسان بلمعة الشغف، وتصبح الرموش محازم تظلل مهج العشاق، وتصبح الأشواق نسائم وعزائم وولائم تمضي في الأرواح، كأنها الرحلة الأزلية إلى أكوان لا تسكنها إلا الملائكة.
عندما يتواضع الكبار، تكبر أنت، وتصبح في النعيم الماء البرد والثلج، تصبح أنت في النعمة قيمة وقامة ومقامة وقوامة، تصبح أنت في النسيم زهرة برية تهفهف وترفرف، تصبح أنت في القيم النهل والسهل والقبلة والمقلة، تصبح أنت في الرحلة الطويلة قصة تسردها الموجة وتحكي عن بداية الخلق، ونهاية الغبن.
عندما يتواضع الكبار، تطفو النجمة على جفني الوجود، تمسك بمرفق الحياة، تأخذها إلى حيث تكمن الحقيقة، هناك تحتفل الوجوه بعالم أزهى من القمر، وأعذب من النهر، وأعظم من الدهر، وأشمل من الجهات الأربع.
عندما يتواضع الكبار، لا يبقى للصغار إلا أن تنمو أجنحتهم عند ضفاف لا فيها غبش ولا حولها رتش، هناك يفيض العقل بالنزاهة، ورفاهية القيم الرفيعة، هناك تمطر السماء فرحاً، وتنشر السحابة شال الكرامة، هناك لا يبقى في الأرض من رث ولا عبث، هناك تصبح الكائنات فصوصاً من ذهب على فستان تألق بالجسد الرقيق وهناك، تغسل الفراشات أجنحتها من قطر الأنساق اللدنة.
عندما يتواضع الكبار، يصبح الصغار عصافير بزغب المرحلة الباهية، وتصبح الأعشاش، أزاهير منمنمة، بخيوط من وهج.