(1)
ليست هذه المرة الأولى التي يطل فيها شبح الموت بكامل صورته القبيحة، ناثراً الذعر والخوف بين البشر جميعاً. فقد حدث من قبل أن أتت فترات كان فيها هذا الشبح يحصد الملايين، مرات كثيرة بآلة الحروب، ومرات أخرى بانتشار الأوبئة. لكنها المرة الأولى التي يتاح فيها للعالم، أن يرى بوضوح، وأولاً بأول، ولحظة بلحظة، كيف يمد الموتُ أذرعه الطويلة ليخطف الأرواح من كل مكان. وهو أمر سيفرض على البشرية بالطبع، إعادة النظر في فكرة تعاملها مع الآخر، على مستوى علاقة الفرد بالفرد، ومستوى علاقة الدول ببعضها بعضاً.

(2)
لا أحد يقف اليوم بمعزل ومنجى لو نأى بنفسه. صحّة وسلامة الآخر البعيد أو القريب، هي حصنك الأول. وأي ضرر وسوء يتسرب إلى جسد المجاورين لك، قد تصلك تبعاته غداً. قد نتنازع ونختلف في التجارة والاقتصاد وفي السياسة أيضاً، لكننا في الشدائد العظيمة والكبيرة، نمد أيدينا للمساعدة لإطفاء النار التي قد تحرق كل شيء.

(3)
تمتلك البشرية الذكاء الكافي لمحاصرة وباء كورونا والتخلص منه سريعاً، وما حدث في الصين من سرعة القضاء عليه، سيحدث في بقية دول العالم. ورغم الصور والأرقام المفزعة التي تتناقلها وسائل الإعلام عن عدد المصابين والضحايا، إلا أن مساحة الأمل لا تزال كبيرة. وما يهم هنا، هو الدروس التي سنخرج بها من هذه التجربة المحيّرة. هل سيدرك قادة العالم، أن البشرية بحاجة اليوم إلى سن قوانين أشد صرامة فيما يتعلق بصحة كوكب الأرض، هل ستذهب إلى التخلّص نهائياً من إنتاج مثل هذه الفيروسات القاتلة ومثيلاتها من أسلحة الدمار؟ هل سنرى العالم أكثر أماناً بعد انقشاع هذا الطامة؟
هل ستقضي الحضارة على نفسها بنفسها بسبب تفشي التوحّش الرأسمالي كما تنبأ بذلك مناهضو هذا الفكر؟ يبدو الأمر كذلك، ونحن نرى القضايا الجوهرية التي تهدد وجودنا كبشر، ومنها قضايا البيئة والمناخ والحد من انتشار الأسلحة، لا تزال معلقة بلا حسم لصالح المصانع والشركات العابرة للقارات.

(4)
نحتاج إلى السمو بالقيم الإنسانية التي نعرفها كلنا. نحتاج أن تكون علاقات الدول قائمة على هدف خدمة الإنسانية لا تدميرها. لقد ترك لنا الحكماء على مر العصور الحلول الناجعة لإنقاذ أنفسنا، بإعلاء قيمة المحبة والسعي لها، وبتمجيد فكرة احترام الآخر. وما لم يأخذ البشر بهذه المبادئ، سيظل الشر متربصاً دائماً، منتظراً الانقضاض علينا في أي لحظة.