أحب الألماني يورجن كلوب، أنا أحد معجبيه، ولهذا فرحت حين رفع الموسم الماضي كأس دوري الأبطال الأوروبي، كان يستحق الذهب، فرحت من أجله هو فقط، خصوصاً وأنني في الموسم الذي سبقه هتفت ضد فريقه، وتمنيت خسارتهما معاً ليفوز الكبير ‏ريال مدريد ملك أوروبا والعالم كله، إذ لا حب يزاحم حبه في قلبي داخل قارة أوروبا، أما «قارة آسيا» ففيها من له القلب والحب كله!
المهم، فاز الميرنجي، استنشقتُ لذة الربح، ولم أزفرها إلا بعد 3 أيام، أما يورجن فعاد إلى بيته مرتدياً معطف الخيبة والخسارة، ولم ينزعه إلا في الموسم التالي حين غادر ملعب النهائي الأوروبي، وفي وجهه عُمرٌ من الابتسامات للتو خُلِق، وتالياً حمل كأس العالم للأندية، وكأس السوبر الأوروبي، وقبل أن تضرب «كورونا» جهاز الحياة التنفسي، وتعزلها في مهاجع الخوف والقلق واليأس الشديد، كان ذاهبٌ بـ«الحُمر» إلى احتساء نبيذ بطولة الدوري، كان بينه وبين بلوغ نشوتها 9 نقاط من 27 نقطة متاحة للقطف.
هذا البطل الألماني كتب قبل أيام - في بيان رسمي - كلاماً جميلًا عن أزمة «الفيروس» الذي يتسلل إلى أجساد الناس فينهكها أو يهلكها، وكان سبباً في منع الجماهير من حضور المباريات، ثم تعليق البطولات إلى أجل غير مسمى، وقد يكون الإلغاء هو أجلها المحتوم، قال: «أولًا وقبل كل شيء يتعين علينا جميعاً أن نبذل كل ما في وسعنا لحماية بعضنا، أعني في المجتمع، يجب أن يكون هذا هو الحال طيلة الوقت، لكن في هذه اللحظة أعتقد أنه مهم أكثر من أي وقت مضى، إذا كان الاختيار بين كرة القدم وسلامة المجتمع ككل، فإنني أعتقد أن الإجابة محسومة.. رسالة الفريق لمشجعينا: ضع صحتك أولاً، لا تخاطر، فكر في الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض في مجتمعنا وتعاطف معهم قدر الإمكان»، هذا كلام عظيم جداً، كأنه غُرف من نهر حُب يجري في روح طاهرة، أما سر دهشته فلأنه صدر في بلد تشكو مدرجاته من مرض العنصرية، ويُجرح اللاعبون فيه بسكاكين الكلمات القذرة التي جُلبت من نفايات العِرقية البغيضة، وتقسيم الناس في صناديق الألوان والأديان واللغات.
قال المدرب الكبير في البيان نفسه عبارة جميلة وبراقة، وتغوي بالاقتباس: «كرة القدم هي أهم الأشياء الأقل أهمية»! إنها جملة تنحاز للإنسان، للحياة، لسلامة الأرض ومن عليها.
كرة القدم «مهمة»، بل و«مهمة جداً» لا يمكنها أن تكون أقل من ذلك، يعلم يورجن ذلك جيداً، لكنها حين تكون في اختيار مع صحة الناس، فإنها تصبح في رُتبة «المهم» داخل فصيلة «الأقل أهمية».
كان في إمكانه ضغط زر «الشك» في عقول الجماهير، وابتكار فكرة المؤامرة بمنع ليفربول من التتويج باللقب بعد 29 عاماً من التيه في صحراء المحاولة، وتعبئة الجماهير؛ بغية الضغط على الحكومة لتستمر المباريات، لكنه لم يفعل، ذهب في الاتجاه الصحيح: لا مانع أن يخسر ليفربول إذا كانت سلامة المجتمع هي من سيفوز. هذا ما يجب أن تكون عليه كرة القدم، إنه ‏جزء من قيمتها ومن معناها ومن تأثيرها وأثرها.
السيد يورجن كلوب، أنت «أهم الأشخاص الأكثر أهمية».. شكراً لك.