الصومعة ذلك المكان أو الركن الذي يختاره البعض من الفنانين أو الأدباء، بل حتى العباد، للوحدة والتفكير والبحث عن المختلف أو حتى التفكير فيه، بعيداً عن التكرار الممل لليومي والمتكرر، وحده الفنان والكاتب المتبحر خلف الفكرة والفلسفة والرؤية البعيدة، لديه صومعة خاصة، منها يبدع أعماله ويرتب أفكاره، ويخرج أجمل ما لديه من رؤية ورؤى.
وقد تختلف الصومعات الخاصة من فنان إلى آخر، فقد يتحول المرسم إلى صومعة جمال وإبداع وفن، وقد تتحول الصومعة الخاصة إلى خلية نحل، تخرج أعمالاً أدبية وروائية وفلسفية في الحياة، وضوءاً ينير بعض كهوف الأنفس الميتة، أو يحيي جداول عطاء، وانعتاقاً من أفكار بالية ورثتها مجتمعات عانت من الظلمة أو الجهل أو السلطة، تلك التي تحرس الظلمة، وتقيد فكرة الانفكاك من السائد.
الفنان المحلق والراحل مع النسمات المتجددة يضيء بسناه وألوانه وجه الحياة، الفنان المبدع هو ابن الريح والزهور والورد، إذا كان مبدعاً مختلفاً ومجدداً في الحياة، ورافضاً للجمود الفني.
مضى، ولم يرحل من الذاكرة، زرته في مرسمه الرسمي الذي حوله إلى صومعة خاصة بفنه وإبداعه، كان يعمل وكأنه لم يحضر لدوامه الرسمي في هيئة الشباب والرياضة سابقاً، عشق المرسم الذي يشرف عليه وحوله إلى صومعة خاصة يبدع فيها ويعمل ولا يبالي بالوقت أو الزمن، إنه الراحل حسن شريف - رحمه الله - الفنان المبدع المختلف، عندما زرته في هذه الصومعة، وجدته قد أنجز الكثير من مشغله الفني العجيب، حبال كثيرة وعقدات كثيرة وألوان من الخيوط والحبال تتشابك، وهو يبذل جهداً كبيراً في أن يصنع المزيد من تلك الأشكال الغريبة، بالإضافة إلى أطواق من الخراطيم البلاستيكية التي تكورت في ركن آخر من صومعته/‏ مرسمه، انتظرت حتى أنهى ما بيده من عمل، وقال: الآن يمكن أن نتناول كأس شاي ونتحدث، ذلك النخيل الجميل دائماً يتحدث بهدوء وبفلسفة خاصة، إنه المبدع المختلف، كنت أعرفه من قبل أن يصل إلى هذه المكانة الفنية الرفيعة، فهو الصديق الذي جمعتنا معاً يوماً اللجنة الثقافية بنادي النصر، كان هو الفنان الذي يرسم للنشرة الثقافية حتى انتهاء ذلك الزمن.
مرت أيام وسنون، نلتقي مصادفة في دبي، ويخبرني أنه استقر في منطقة القوز، وأنه سعيد بهذا المنزل /‏ المرسم الذي يشاركه فيه تلميذه الفنان المبدع محمد كاظم، زرته هناك فإذا بالصومعة/‏ المنزل قد تحول إلى بيت للفن والإبداع، واستمر حتى رحيله، واستمر تلميذه الجميل محمد كاظم على عهده، وإخلاصه للفن والإبداع والجمال، وما زال طريقه ممتداً، ربما في تلك الصومعة، أو أنه صنع صومعة/‏ مرسماً آخر.
ذاكرة الفن كم هي رائعة في الإمارات!.