السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الأطفال.. رهان الـ 50

الأطفال.. رهان الـ 50
15 مارس 2020 02:43

أعد الملف: بدرية الكسار, هدى الطنيجي, لمياء الهرمودي
التحرير: أشرف جبريل
الإشراف العام: راشد الزعابي, ناصر الجابري
الإخراج: وائل عبدالمجيد

نجحت منظومة متكاملة من الجهات الاتحادية والمحلية والخاصة، في إحاطة أطفال الإمارات بطوق من الدعم والحماية، يشمل أعلى مستويات الرعاية، وأرقى أنماط التعليم، وأفضل برامج الصحة، ومنظومة تشريعية توفر للنشء الحماية من مختلف أشكال الإساءة.
وإيماناً بأنهم ثروة الغد، وأمل المستقبل، تتبنى الحكومة الرشيدة خططاً طموحة، تستهدف مزيداً من العناية ببراعم الوطن، وبناء شخصياتهم على أسس تتناسب مع الثورة الصناعية الرابعة، والذكاء الاصطناعي، وطبيعة العالم الافتراضي الذي يرتبطون به ارتباطاً وثيقاً، والسؤال الذي تجيب عنه السطور التالية هو: كيف استعدت الإمارات لرعاية وبناء أطفالها في الخمسين عاماً المقبلة، وما هي السبل التي تضمن نموهم في بيئة مثالية تحيط بها ضوضاء الحداثة؟

العلوم والموروث والتفاعل الاجتماعي طريق المستقبل
تؤكد كل الشواهد والمعطيات أن الطفل يعيش في دولة الإمارات منذ خمسين عاماً، متمتعاً بكافة حقوقه التي كفلها له القانون، بل إن الإمارات أعطت له أكثر من أي دولة في العالم.
لكن ماذا عن الخمسين عاماً القادمة، كيف يمكن للقوانين والتشريعات أن تتطور، بما يواكب النهضة الذكية لكل مناحي الحياة؟
وكيف نعد العدة ما استطعنا لمواجهة التحديات ومواكبة الذكاء الاصطناعي؟
وتأتي الإجابة من الدكتورة حصة خلفان الغزال، المدير التنفيذي لمكتب الشارقة صديقة للطفل، مشيرة إلى تنفيذ حزمة من المشاريع والمبادرات التي تحقق رؤى وتوجهات القيادة لتأمين مستقبل أفضل للطفل، من حيث تعزيز مشاركة الأطفال المجتمعية في وضع السياسات التي تؤثر عليهم وعلى البيئة التي يعيشون فيها، وتوسيع هذا النوع من المشاركة خلال الأعوام المقبلة، واستحداث آليات لتطبيق حقوق الطفل على جميع المستويات، للارتقاء بمكانة الأطفال واليافعين. أما علياء حسين، مسؤول قسم الألعاب الشعبية في معهد الشارقة للتراث فتقترح إطلاق برامج وفعاليات معنية بدمج الطفل ضمن الفعاليات التراثية، ومنها الاهتمام بالألعاب الشعبية وغيرها من الممارسات التراثية التي كانت تسهم في تعرف الطفل على محيطه ودفع أفكاره نحو الإبداع والتفكر في كافة الممارسات والأنشطة التي يقوم بها إلى جانب تكوين علاقات متزايدة ابتداءً من أفراد أسرته إلى أبناء «الفريج» وغيرهم ممن يصادفهم في الحياة اليومية التي أصحبت «الأجهزة» تصرفه عنها.
وتؤكد هنادي صالح اليافعي مدير إدارة سلامة الطفل بالشارقة، أن إدارة سلامة الطفل تضع العديد من المخططات والرؤى المستقبلية التي من شأنها مواكبة التحديات التي تتماشى مع متطلبات المستقبل، ابتداءً من تكثيف العمل والجهود المشتركة مع الجهات المسؤولة والتي تعنى بنفس الشأن للوصول بمبادرات ومشاريع رعاية وحماية الطفل إلى أقصى درجات التأثير والفاعلية، وتأهيل الكوادر الوطنية القادرة على تعزيز السلوكيات الإيجابية ورفع الوعي الأسري والمجتمعي حول قضايا سلامة الطفل، بما يحقق رؤية متكاملة تجمع ما بين الجهود التوعوية، والوقائية، والتشريعية، والإجراءات التنفيذية. بينما يدعو المحامي زايد الشامسي إلى استغلال مصادر التعلم المتاحة من مواقع موثوقة كالجامعات ومراكز البحوث، وبعض المكتبات التي تقدم المعرفة للطفل بطريقة سهلة.. فيما ينبه حسن مشربك، إلى ضرورة تحسين اللغة عند الأطفال سواء العربية أو الأجنبية، وكذلك تطوير مهارات التقنية التكنولوجية فتصبح لديهم خلفية مهنية وتعليمية تسهل عليهم عملية البحث عن المعلومات عمل الأبحاث التعليمية والمشاريع التربوية، وكذلك التفريق بين الصحيح والخطأ.
لكن علياء حسين، فتعود للتأكيد على وجوب إعادة إحياء الألعاب الشعبية في نفوس الأطفال من الجيل الجديد، وذلك عبر أنشطة وممارسات واقعية ميدانية وتنظيم الورش حول «بيت الألعاب الشعبية» وعرضه في مختلف الأنشطة والمناسبات على شكل صور ومجسمات مصغرة ليتعرف عليها الأطفال بشكل واضح.
ودعت وحيدة عبد العزيز رئيس جمعية أصدقاء مرضى التهاب المفاصل، إلى اعتماد أفضل أجندات التعليم والتربية والتدريب لتأهيل أطفال اليوم ليصبحوا قادة المستقبل متسلحين بالعلوم والمعرفة، والمهارات اللازمة لذلك. وهنا تشير سمية حارب السويدي، إلى أن دولة الإمارات تحرص على أن تتواكب كافة جهودها في مجال حقوق الطفل مع التشريعات والمعايير الدولية، وقد سعت في سبيل ذلك إلى دراسة وتقييم أوضاع الأسرة والطفولة والارتقاء بهما إلى أفضل المستويات من خلال الالتزام بتطبيق أعلى المعايير الدولية الخاصة بحماية ورعاية الأطفال وتعزيز حقوقهم مؤكدة سياستها الثابتة في دعم قضايا الطفل بكل أبعادها ومتطلباتها وتضمينها ضمن سياساتها الإنمائية وخططها الوطنية.

الطفل الإماراتي.. رعايـة شاملة وحقوق مُصانة
«قبل خمسين عاماً خلت، كانت ضحكات الأطفال تملأ الفريج، ويصحو الجميع مبتهجاً على أصوات الألعاب الشعبية، ومنها بدأنا لعبة الحياة».. بهذه الكلمات بدأت علياء حسين، مسؤولة قسم الألعاب الشعبية في معهد الشارقة للتراث، حديثها وأضافت: «الألعاب الشعبية كانت التسلية الوحيدة للأطفال قبل عشرات الأعوام، وأحد أنماط الموروث الشعبي التي كانت تربط طفل العقود السابقة بماضيه وتسعده في حاضره وتجهزه للمستقبل، واليوم افتقدنا إلى ضحكات الصغار في الفريج، وغابت الألعاب عن الأحياء، وبات الطفل رهن الحداثة».
ويرسم أولياء أمور صورة لحياة أبنائهم اليوم قائلين: «يقضي أطفالنا ساعات أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية التي باتت لغة يتقنها الطفل ويتعامل معها بشغف نعومة أظفاره، فأشقاؤه الأكبر سناً مهووسون بـ(بالآيباد)، وألعابهم المفضلة افتراضية، والأمهات تقريباً لا يستطعن التحكم في استخدام أطفالهن للإنترنت، ولا قدرة لهن على الرقابة»، ما يمثل خطراً كبيراً يهدد الأطفال صحياً واجتماعياً وتعليمياً، ويُشعر أولياء الأمور بالقلق لعدم معرفتهم بما تحتويه المواقع، وما يمكن أن يحدث جراء استخدام الكاميرات للتواصل مع الآخرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

اهتمام متزايد
الأمهات يشرن إلى اهتمام بالغ توليه دولة الإمارات بفئة الأطفال، حيث حرصت الدولة منذ قيام الاتحاد على رعاية النشء من مختلف الجوانب التعليمية والصحية والثقافية والنفسية، لضمان مستقبل واعد، للوطن. تقول علياء الشامسي: «الإمارات قطعت شوطاً كبيراً في رعاية الطفل ابتداءً من ولادته، وسنت القوانين التي تحفظ حقوقه وتصونه، ويحظى الطفل الإماراتي بمستوى تعليم عالمي وخدمات صحية شاملة وقوانين وتشريعات تصون حقوقه».
وتضيف بدرية الشحي: «كل الجهات الرسمية تطلق مبادرات وخدمات موجهة للأطفال، فالمشرع وضع حزمة قوانين تحمي الطفل من العنف مثل قانون وديمة، ووزارة الداخلية تخصص أرقاماً لتلقي بلاغات تعرض الأطفال للإساءة، كما توفر وزارة التربية والتعليم أرقاماً لحمايتهم داخل المدارس».
وتؤكد موزة علي أهمية دور الأسرة في بناء شخصية الطفل باعتبارها المسؤول الأول عن التنشئة، ومن هذا المنطلق تحظى الأسرة باهتمام خاص من جانب الحكومة الرشيدة.
وتقول علياء حسين: «في ظل توافر الأجهزة الذكية، تراجعت الألعاب القديمة التي كان الأطفال يمارسونها مع الأصدقاء في الحي (الفريج)، ومن المستحيل أن نجد طفلاً لا يستخدم الأجهزة الإلكترونية، ما أدى إلى ابتعادهم عن الحركة والجري وسط الرمال».
وفي هذا المجال، تؤكد سمية حارب السويدي، عضو المجلس الوطني الاتحادي، أن الاهتمام بالطفولة في الإمارات ينطلق من منظور قيمي أخلاقي ينبع من مآثر المجتمع الإماراتي، ومستهدفات استراتيجية تتعلق ببناء المستقبل، وإعداد جيل الغد، والدولة حريصة على بناء طفل واعٍ مدرك، وتتمحور هذه العملية في عدة رسائل مجتمعية، أهمها الرسالة الأسرية، على اعتبار أن الأسرة تلعب الدور الأكبر في تنشئة الطفل والحفاظ على حقوقه ورسم سلوكه حتى يكون إنساناً صالحاً، ولا يتحقق هذا الهدف إلا من خلال أسرة متماسكة ومتضامنة متحمله لمسؤولياتها وواجباتها المنوطة بها تجاه تربية أطفالها.

تعليم وذكي
ووفق إحصاءات وزارة التربية والتعليم، تبلغ أعداد طلبة مرحلة رياض الأطفال الأولى خلال العام الدراسي الماضي 9669 طالباً وطالبة، فيما تم قبول 9994 طالباً وطالبة في رياض الأطفال الثانية، فضلاً عن قبول 10512 طالباً وطالبة في الصف الأول، وشهدت العملية التعليمية تحولاً جذرياً يقوم على تعزيز المناهج بمبادرات ومشاريع تعليمية ذكية، فالتعليم الذكي متاح لجميع المستخدمين، سواء معلمين أو طلبة من رياض الأطفال «المعلمين فقط» للصف الثاني عشر «للجميع».
ويتخذ الاهتمام الذي توليه دولة الإمارات للطفل أشكالاً عدة، أبرزها تعزيز النمو الفكري، من خلال تعريف الطفل بطبيعة عمل الجهات الحكومية في الدولة، وإحاطته بأحدث التطورات والإنجازات بهدف تأسيس جيلٍ واعٍ ومدرك، ولهذا أطلقت وزارة تنمية المجتمع بالتعاون مع هيئة تنظيم الاتصالات منصة الحكومة الرقمية للطفل التي تأتي تجسيداً لحق الطفل في امتلاك المعرفة، وتتضمن المنصة لعبة «Kid X» الذكية التفاعلية التي يقوم فيها الطفل بإنجاز مهام متعددة لدى عدد من الجهات الحكومية.
ويتصدر المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الجهات الرسمية المعنية بإطلاق برامج التوعية بحقوق الطفل، والخطط التي تُنفذ لمصلحة الأم والطفل، ومنها «الاستراتيجية الوطنية للأم والطفل»، واعتماد يوم 15 مارس من كل عام للاحتفال بـ«يوم الطفل الإماراتي»، ويتواكب هذا الجهد مع عمل الوزارات والهيئات الاتحادية على تنفيذ سياسات وإجراءات التحفيز الهادفة لرفع مستوى الرعاية المقدمة للأطفال، فيما تتولى وزارة الداخلية، وعدد من الجهات القانونية المخولة رصد التجاوزات والمحاسبة الفورية لمن يقدم على الإساءة للطفل بالرجوع إلى منظومة القوانين والتشريعات الخاصة بحماية الطفل.
وفي ذلك، يقول حسن مشربك، رئيس قسم تنمية مهارات وقدرات الطفل بمؤسسة التنمية الأسرية: «يركز برنامج (طفولة آمنة) على حماية الأطفال من المخاطر الإلكترونية»، موضحاً أنه برامج وقائي تنموي تعمل من خلاله المؤسسة على تقليل مخاطر شبكات التواصل الاجتماعي والتصدي لسلوك المحاكاة والتقليد، حيث يقوم الطفل بتقليد ما يشاهده من مواقف سيئة. وتؤكد علياء حسين مسؤول قسم الألعاب الشعبية في معهد الشارقة للتراث، أن تركيز الأطفال المطول على الأجهزة الإلكترونية قد يفقد الطفل روح التطور واكتساب المهارات، ويجعله يعيش في عالم منغلق على النفس ويقلل تفاعله مع الآخر، كما تتأثر الروابط بين الآباء وأطفالهم.
وتطالب بتكاتف الجهات المعنية بالطفل لدراسة هذه المشكلة ورصد أسباب ابتعاد الأطفال عن الأنشطة والفعاليات الواقعية الجماعية، وتعريف المجتمع بالآثار السلبية لاستعمال المطول للأجهزة على نفسية ونمو الطفل. وفي هذا الإطار، تؤكد سمية حارب السويدي، أهمية الرسالة الصحية والرعاية البدنية للطفل، وحمايته من مخاطر وأضرار التلوث البيئي والعمل على مكافحتها، وضرورة توفير سبل الوقاية والإرشاد الصحي، خاصة فيما يتعلق بمجالات صحة الطفل وتغذيته ومزايا الرضاعة الطبيعية والحماية من الأمراض والحوادث، إضافة إلى القيام بالرعاية النفسية، كل ما يضمن نمو الطفل عقلياً ووجدانياً واجتماعياً ولغوياً.

تجربة رائدة
وتقدم دولة الإمارات تجربة رائدة في مجال حماية الأطفال ورعايتهم صحياً وتعليمياً ومجتمعياً وترفيهياً، إذ صادقت على اتفاقية حقوق الطفل الدولية، وأوجدت منظومة متكاملة مع جميع الجهات الحكومية والخاصة التي تعنى بهذا الشأن، وإمارة الشارقة على سبيل المثال تعمل على تعزيز مكانتها كإمارة صديقة للطفل، وفق رؤى القيادة الرشيدة وحكومة دولة الإمارات، من خلال إطلاق وتنظيم مبادرات وفعاليات تهتم بشؤون الأطفال وتلبي احتياجاتهم وتنمي مهاراتهم ليصبحوا فاعلين ومنتجين، كما تقول الدكتورة حصة خلفان الغزال، المدير التنفيذي لمكتب الشارقة صديقة للطفل. ويتابع المحامي علي حسن الحمادي: «وضعت الدولة قانون حقوق الطفل الاتحادي (قانون وديمة) لحماية الأطفال، وهذا القانون لا نجد مثيلاً له حتى في الدول المتقدمة»، موضحاً أن هذا القانون يقف بالمرصاد لمن يحاول إيذاء أي طفل مواطن أم مقيم في الإمارات. ويتمثل التحدي الأكبر في تحول الطفل إلى العنف والعدوانية إذا ظل يتابع المواقع والشبكات الاجتماعية دون رقابة وهنا يوضح حسن مشربك «إن المهارات الحياتية للطفل تقل، فلا يجيد الترحيب بالضيوف ولا الحديث المباشر معهم، ولا يستطيع التعبير عن مشاعره بالكلام، فيرسل صورة تعبيرية إذا كان سعيداً أو حزيناً أو غير ذلك، وقد يتأثر مستواه الدراسي، لذا من المهم مراقبة ما يشاهده الأبناء على أجهزتهم». ويتابع زايد الشامسي رئيس جمعية الإمارات للمحامين والقانونيين: «السلبيات في الفضاء الواسع كثيرة، خاصة مع وجود المصادر الكاذبة والمخادعة، واستخدام التقنية يؤثر على الأطفال وقد يعرضهم للابتزاز والتنمر وفساد أخلاقهم وسلوكهم، إضافة إلى أن إدمان الأطفال استخدام أجهزتهم لساعات طويلة يؤثر على حياتهم ونشاطهم، ويصابون بأمراض الصرع والعصبية والعنف وارتخاء عضلات العين ومرض التوحد وغيرها».

شراكات وتعاون
تعتمد الجهات المعنية في الإمارات وسائل متعددة للنهوض بمسؤولياتها في بناء جيل سليم جسدياً ونفسياً، منها الدخول في شراكات ومد جسور التعاون وتبادل الخبرات مع المؤسسات المعنية على المستوى المحلي والدولي، واستحداث آليات ومبادرات تحقق سلامة النشء.. تقول هنادي صالح اليافعي، مدير إدارة سلامة الطفل بالشارقة: «هذه الجهود تنطلق من رؤية القيادة الحكيمة، والحرص الدائم على التميز والابتكار في جميع المجالات».
وتدلل سمية حارب السويدي عضو المجلس الوطني الاتحادي، على ذلك الاهتمام ضاربة المثل بقانون (وديمة)، الذي يرسخ منهج الإمارات في مواكبة التشريعات المتوافقة مع متطلبات المجتمع والتي تحقق له الاستقرار والسعادة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©