لو صادف الوقت، والظرف، أن التقيت بشخص ما لأول مرة، في مكان العمل، أو في المقهى، أو حتى في مكان لإنجاز معاملة، وتم خلال المقابلة تبادل الأحاديث الودية وشعرت أن هذا الشخص، هو الشخص الذي تبحث عنه، والذي يقاسمك المشاعر والهموم، والتطلعات.
وفكرت في استمرار العلاقة، وتوطيدها، وترسيخها، واتفقتما على عقد لقاءات تالية.
وذهبت أنت إلى بيتك، وقلبك مليء بمشاعر الود تجاه هذا الشخص والذي اعتبرته كنزاً حظيت به، وأمنية أُلقيت عليك من السماء. ويشاء الحظ أن تتكرر اللقاءات، والجلسات، والحوارات، وتكتشف فجأة أن هذا الشخص الذي أسعدت بلقائه في المقابلة الأولى، هو ليس ذلك الشخص الذي دخل قلبك من دون استئذان.
لا بد أنك سوف تصاب بالصدمة، وينتابك شعور بالامتعاض، والإحباط، لأنك أصبحت أمام جدار سميك يصدك ويردك ويحفر نفقاً عميقاً في روحك، مليء بالبقع السوداء والرمادية، كما تجد أشواكاً تنتشر في أنحاء متفرقة في علاقتك بهذا الشخص.
وكلما حاولت الاقتراب منه أكثر اتسعت الهوة بينكما، وتلظت الحفرة، واشتعلت بنيران التناقضات التي تكمن في داخل كل منا.
فكل إنسان هو مجموعة من الأشخاص الذين يسكنون جسداً واحداً وينفخون في جوفه، ويقومون بأدوار مختلفة، ويرسمون وجوها متنوعة. فلا يمكن أن تحسب الشخص واحداً، ما يبرز في الوجود، هي مرايا، وفي زاوية من النفس البشرية هناك مرآة تعكس صورة شخص، هؤلاء الأشخاص جميعاً، يشكلون شخصية واحدة مزدحمة برسوم متحركة، وألوان قوس قزح، وسحابات تجر بعضها بعضاً باتجاه تربة ما ولما ينزل المطر لا تعلم أنت المتأمل لهذه الفسيفساء، من أي بقعة في السحابة الواحدة نزل المطر.
فالشخص الذي قابلته المرة الأولى، ليس هو الشخص الذي جلست معه في المكان الآخر. لقد جاءك الشخص في المقابلة الأولى من ذاكرة مختلفة، ومن زمن مختلف ومن شاعرية مختلفة، فشعرت أنت بالسعادة كونك التقيت بشخص له وجه السحابة الممطرة، أما في اللقاء الثاني، فأنت أمام شخص انتقل إلى مكان آخر من الذاكرة والزمن فيهما من غيوم، وعواصف حجبت عنه رؤيتك كما هي، وقابلك بنفس منقبضة، وروح مستلبة فانتفضت أنت ساخطاً، ومحبطاً، لأنك الآن تقف أمام شخص خلع ملابسه الشفافة، وارتدى ملابس ثقيلة، بأن من تحت ياقة قميصه عرق التوتر، والانسحاب كلياً عن تلك المنطقة السابقة.