الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

القراءة.. رهان على قوة المجتمع

القراءة.. رهان على قوة المجتمع
12 مارس 2020 01:27

من نبض مدينة أبوظبي، العاصمة الإماراتية الزاهية بثقافتها وفنونها وأصالتها وتقاليدها وأبعادها الإنسانية، انطلقت في عام 2016، مبادرة نوعية فاجأت العالم، حينما وجّه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بأن يكون ذلك العام، عاماً للقراءة المستدامة، في إطار خطّة قوامها «القراءة الجادة مدى الحياة»، وفي ذلك نستعيد ما قاله صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله: «إن كافة سياسات واستراتيجيات القراءة، هي سياسات لبناء أمة وترسيخ شعب مثقف، واعٍ متمكن ومتسامح، حيث نهدف لإعداد أجيال يحققون قفزات تنموية، ويضمنون تفوّق دولتنا، وتعزيز تنافسيتنا، وتحقيق رؤيتنا المستقبلية لدولة الإمارات».
بداية يمكننا القول إن عام القراءة (2016) لم يكن عاماً فقط، بل أعواماً ممتدة من خلال الاستراتيجية الوطنية للقراءة 2016- 2026 التي اعتمدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وتضمنت 30 توجهاً وطنياً في قطاعات التعليم والصحة والثقافة، وهي في الواقع استراتيجية بناء وطن قوي متوازن، وطموحات ترسم مستقبلاً جميلاً للدولة وللعالم العربي، نحو تعزيز مفهوم مثالي للقراءة، والنهوض باقتصاد المعرفة، تضمنت السياسة الوطنية وصندوقاً وطنياً لدعم القراءة بقيمة مئة مليون درهم، وخطة استراتيجية للقراءة وبرامج إعلامية وتعليمية وصحية واجتماعية ووطنية وتراثية، وعلى رأس كل ذلك إعداد قانون للقراءة، لضمان استدامة الجهود الحكومية كافة لترسيخ القراءة في دولة الإمارات، وضمن فئات الأعمار كافة وتحديد المسؤوليات الرئيسية للجهات الحكومية في هذا المجال الحيوي تحت مظلة عشرات المشاريع الثقافية والمبادرات والخطط والبرامج التي تمثلت في حملة وطنية استثنائية لتنفيذ وتطبيق هذه التجربة بمقاييس ومواصفات عالمية، والتي أثبتت نجاحها وتفوقها بشكل لافت، ما دعا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بوصف قانون القراءة بأنه قانون حضاري على مستوى المنطقة لترسيخ القراءة في الأجيال الجديدة. كما أكد أنه عمل طويل المدى، ونتائجه عميقة الأثر، وقال: «لا يمكن للحكومة وحدها أن تصنع تغييراً من دون مساهمة الأسر وجميع فعاليات المجتمع، من مؤسسات حكومية وخاصة وجمعيات نفع عام وناشرين وأدباء ومثقفين ومتخصصين، فلا يوجد اقتصاد معرفة من دون مجتمعات المعرفة، ولا يمكن بناء استراتيجيات من دون بناء أجيال، لا يمكن تكوين مجتمع متسامح وأسر متماسكة ووعي مجتمعي حضاري، وهوية وطنية راسخة من دون ثقافة وقراءة واطلاع ومعرفة حقيقية».

تظاهرة معرفية
إنجازات نوعية وجليلة ومتنوعة، فاقت التوقعات، تحققت من تجربة قانون القراءة والاستراتيجية الوطنية للقراءة، وبحسب معالي محمد عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل، رئيس اللجنة العليا لعام القراءة، فإنها أحدثت تغييراً جذرياً في بناء الشخصية الإماراتية والأجيال الجديدة، وأن الرعاية المباشرة من القيادة الحكيمة، رسّخت الإمارات مركزاً معرفياً نشطاً ومستداماً، بعد أن راهنت الإمارات على جعل القراءة نشاطاً مجتمعياً شاملاً، ونجحت في الرهان بامتياز محلياً وعربياً، فقد امتد عام القراءة في نتائجه وآثاره المبهرة، ليكون نشاطاً عربياً متكاملاً، وحظي بتفاعل غير مسبوق، من خلال «مشروع تحدي القراءة العربي» الذي تحوّل إلى أضخم أولمبياد معرفي لنشر القراءة في الوطن العربي، من خلال مشاركة نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون طالب وطالبة من مختلف المدارس، قرأوا خلال عام دراسي أكثر من 150 مليون كتاب. كما تمت بلورة خطة استراتيجية لجعل القراءة أسلوب حياة في المجتمع الإماراتي، ثم أهمية القانون الوطني للقراءة، كأول تشريع من نوعه في المنطقة، يعتمد القراءة كقيمة حضارية، ويحوّلها إلى صيغة تشريعية ملزمة، لها آليات وتنفيذ ومتابعة وتقييم، كما ارتقى القانون بالتعليم، من خلال تطوير المناهج والأنظمة التعليمية، لتعزيز مهارات القراءة لدى الطلبة، ثم تطوير المكتبات في المدارس والجامعات، وتشجيع القراءة واقتناء الكتب، عبر خطط وضعتها المؤسسات التعليمية كافة، والأخرى ذات الصلة، بهدف غرس شغف المعرفة وحب الاطلاع والبحث لدى الجيل الجديد.

نحو مجتمع قارئ
ومنذ عام 2016 وحتى يومنا هذا، ما زالت الإمارات تشهد حشداً للجهود الوطنية والمؤسسية والمجتمعية والشعبية التي تضافرت صفاً واحداً، استجابة للجهود الحكومية لترسيخ وتعزيز مفهوم جديد للقراءة، وجعلها نشاطاً عائلياً يشارك فيه كل أفراد الأسرة، إلى جانب إشاعة حوار ثقافة المشاركة بين شرائح المجتمع كافة، ومن ذلك على سبيل المثال اختيار ندوة الثقافة والعلوم في دبي عنواناً دالاً لمؤتمرها السنوي السادس الذي نظمته في يونيو 2016، هو «الإمارات تقرأ»، وشهدت الندوة أربع جلسات قدمت خلالها العديد من أوراق العمل التي استعرضت مقترحات لتنويع وتطوير وسائل القراءة وأساليبها والنهوض بها، خاصة في أوساط الناشئة. وأكد الأديب محمد المر في ورقته البحثية المعنونة بـ«نحو مجتمع قارئ.. رؤى مستقبلية» أنه: «تم القضاء على الأمية في دولة الإمارات بنسبة كبيرة وذلك نتيجة جهود القيادة الرشيدة ورؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بإتاحة التعليم للرجل والمرأة على حد سواء وإلزاميته في المراحل العمرية الأولى، حتى أصبح مجتمع الإمارات من مصاف الدول التي تخطت الأمية بكل أشكالها، سواء التعليمية أو التكنولوجية، مما مكن أبناء الدولة من تنمية مهاراتهم المعرفية ويبعث على التفاؤل بمستقبل الإمارات».

ساعة قراءة
يعتبر «مهرجان الشارقة القرائي للطفل» إحدى أهم فعاليات مشروع الشارقة الثقافي، وأحد أبرز إسهامات الشارقة العاصمة العالمية للكتاب لعام 2019، في تعزيز مدخلات الاستراتيجية الوطنية للقراءة، ويقام سنوياً برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وعبر أكثر من 12 نسخة سجل الحدث نفسه من أبرز الفعاليات الثقافية والمعرفية الموجهة للأطفال واليافعين في الإمارات والمنطقة، وقد تجاوز دوره من كونه معرضاً للكتاب إلى حدث متكامل، يسهم في إغناء معارف الزوار بالعلوم والآداب النافعة، بمشاركة نخبة من المؤسسات والجمعيات والمراكز المعنية بثقافة ومعرفة الأطفال.
ولعل ذلك يقودنا للحديث عن مشروع الشارقة الثقافي الذي يتضمن أكثر من 300 فعالية ونشاط وبرنامج متنوع لتعزيز مفهوم جديد لثقافة المشاركة، من بينها أكثر من 50 نشاطاً مخصصاً لدعم القراءة والكتاب وصناعة النشر، ما جعلها في موقع مميز ولافت على خريطة الثقافة العالمية.
وحققت مبادرة «ساعة قراءة» التي أطلقتها الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية وبالتنسيق مع مكتب رئاسة مجلس الوزراء على مستوى الحكومة الاتحادية عام 2018، توسعاً في خريطة القراءة بين جمهور موظفي الحكومة الاتحادية، انطلاقاً من حرص الهيئة على تشجيع موظفيها على القراءة، لتصبح عادة وسلوكاً يومياً، حيث خصصت الهيئة ساعة شهرياً، يقدم خلالها عدد من الموظفين ملخصات وقراءات سريعة لكتب ودراسات علمية وثقافية قرؤوها.

«نقرأ للإمارات»
وزارة الثقافة وتنمية المعرفة كانت سبّاقة في إطلاق أكثر من 160 مبادرة، وبرنامجاً ثقافياً، شجعت على القراءة والاطلاع، واستهدفت الوصول إلى كافة المواقع وجميع فئات المجتمع، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، مبادرة «نقرأ للإمارات»، وهي مبادرة ثقافية معرفية تهدف إلى إتاحة وخلق المناخ الثقافي والمعرفي لتنمية القدرات القرائية والمعرفية لدى أفراد مجتمع الإمارات، من خلال دمج جميع الفئات من رواد المكتبات والمراكز الثقافية والمتطوعين.
ولعل ذلك يقودنا بالفعل للقول بأننا مع هذا التوجه الرسمي ومبادراته النوعية، بأننا نعيش في الإمارات فترة ذهبية تنويرية لمحاربة الفقر المعرفي، كثمرة لأضخم مشروع للقراءة لجميع شرائح المجتمع، وتشجيع الأسرة على ربط الأطفال بالمكتبة والكتب، عن طريق العديد من البرامج والوسائل الترفيهية والتعليمية، وتوفير الخدمات المكتبية في كل مكان على أرض الإمارات العزيزة، وجعل الكتب متاحة أمام غالبية الأطفال، خاصة في معارض الكتب التي يتم تنظيمها سنوياً في مختلف إمارات الدولة، إلى جانب نشر الوعى بمصادر المعرفة الحديثة، وتزويد المكتبات بأجهزة الحاسب الآلي، وربطها بشبكة الإنترنت، وتعليم اللغات الأجنبية، وهذا المشروع اللافت الذي كان له صدى طيب عربياً وعالمياً، بحيث بدأت التجربة الإماراتية تأخذ طريقها إلى التعميم في كثير من الدول، وهنا لا يمكن فصل مبادرات القراءة في الإمارات التي رسمت لنفسها هدفاً استراتيجياً طويل المدى، يتمثل في ترسيخ مكانة الدولة كمركز نوعي للمحتوى والثقافة والمعرفة، وفي هذا السياق أصدر اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، بياناً خاصاً جاء فيه: «إن دولة الإمارات كانت سباقة ومبادرة على الدوام، ولها مآثر في هذا المجال، بل إن ذلك أصبح عنواناً يدل عليها، وهذه المآثر يقف وراءها قادة كبار أسسوا وتابعوا ورعوا وأعطوا، بدءاً من الأب الرمز والقائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وصولاً إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، قيادة اهتمت ببناء الإنسان معرفياً وروحياً وأخلاقياً، فأنتجت هذا النموذج الحضاري المعرفي والثقافي الباهر الذي نعيش وقائعه اليوم».

محاربة الفقر المعرفي
من المنجزات النوعية ذات الصبغة المجتمعية لقطاع دار الكتب في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، تنظيم معرض «القراءة للجميع» الذي يستثمر الإجازات المدرسية لطلاب المدارس، وجعلها فعلاً يومياً في حياتهم للتعرف إلى ثقافات وحضارات الشعوب، ويصاحب المعرض مجموعة متنوعة من الفعاليات المميزة للأطفال التي تشمل مسابقات وأنشطة وورش عمل لتشجيعهم على القراءة، فيما يستعرض مشروع«كلمة» للترجمة، و«إصدارات» في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، خلال مشاركتهم في المعرض سلسلة متنوعة من أهم الكتب العلمية والأدبية وكتب الأطفال بأكثر من 700 عنوان من إصدارات الدائرة الموّجهةإلى فئة الأطفال والناشئة، مع خصومات تصل إلى 75%، ويأتي ذلك في إطار حرص مشروع «كلمة» للترجمة على إحياء حركة الترجمة في العالم العربي، وزيادة معدلات القراءة باللغة العربية على المستويين المحلي والإقليمي، من منظور شعار قراءة مدى الحياة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©