في المجتمعات الواعية والمتقدمة لا تشعر بكلمة العيب تعرقل حياتك أو تدمرها أو تجعلك مقيداً، لا تتحرك إلا وتجدها أمام خطواتك، مثلما هو الحال في المجتمعات الشرقية والجاهلة والخجولة، وتلك التي تؤمن بثقافة العيب، وما يقوله الناس عني، لذلك تصبح أوزاننا أثقل مما يحمله الأميركي والأوروبي الذي لا يعترف لا الفرد ولا المجتمع بتلك المفردة في صورتها السلبية، كما هو الحاصل معنا في ممارساتنا الخاطئة، وعدم وضوح المصطلح واستخداماته، ولنأخذ مثلاً قريباً مما يحدث في حياتنا وحياتهم، فيروس «كورونا» الجديد، نحن نظل نتوجس ألا يصيبنا، لأننا لا نعرف أين سنولي بوجوهنا أمام الأهل والجيران؟ ماذا سيقول الآخرون عنّا؟ ونخشى أن يفرقوا منّا، ولا يلتفتون إلينا، ويعاملوننا كوباء، الزملاء في العمل كيف سيكون تصرفهم معنا؟ ونظل نفكر أنه يمكن أن يفصلونا من العمل لكيلا نؤذي الزملاء والمراجعين، ونسمم مكان العمل، حتى لو برئ الواحد وتعافى من المرض، ستظل تلاحقه عبارات زملائه: «هذا تراه صابه ذاك المأهوب، فيروس كورونا، والعياذ بالله»! وقد يتدخل المجتمع الجاهل ولا يقبل به عريساً مستقبلياً لأي بنت من بناته، لذا لا يكفي ما نحتاط به من وقاية واتباع الإرشادات الصحية، ولكن نثقل كواهلنا بالوسواس وأعباء ثقافة العيب السلبية، حتى نشعر أن مجتمعنا سيعتبر ذاك المرض وسماً لا يمكن محوه، فإذا ما أصاب أحدنا هذا الفيروس، فسنحاول قدر الإمكان ألا نخبر حتى المقربين منّا، ونتكتم معتقدين أن الآخرين سيشمتون بنا، وقد نسافر بعيداً لنتعالج، لأن «معرفة العُربان مغثّة»، وسيخبرون القاصي والداني، وقد لا نقبل بعلاج طبيب عربي، ليس لعدم الثقة في تخصصه، ولكن عدم الثقة مرجعه في أنه قد يعرف أحداً من المعارف، وأنه يتكلم عربي، والعربية تسرب الأخبار الشينة، في حين الأميركي والأوروبي سيتصرف الواحد منهم بوعي مع الإصابة، وسيتعامل مع الموضوع على أساس أنه من باب الحظ العاثر، لكنه لن يستسلم، وكأن الموضوع نهاية الدنيا، وسيخبر المقربين له، لأنه متيقن أن معظمهم سيقفون معه، ويؤازرونه حتى يتخطى محنته، حتى الوزير عندهم إذا ما أصابه هذا الفيروس لا يتحرجون أن يعلنوه في الصحافة، لا عيب ولا حياء ولا خجل من موضوع ليس للإنسان فيه أي دخل، شوف كيف الأمور في المجتمعات الموسوسة، «عُلم من مصدر موثوق.. نما إلى علم الوكالة الوطنية عن صحة خبر الإصابة.. تداولت وسائط التواصل الاجتماعي خبراً لم تثبت صحته بعد.. سرت إشاعات غير مؤكدة عن..» وكلها لا تعطيك خبراً صحيحاً أو جملة مفيدة، في المجتمعات الراقية تسمى الأمور والأشياء بمسمياتها، وحدنا من نهرب إلى الأمام خوفاً من ثقافة العيب، لا من المشكلة الأساسية!