خاض البرتغالي كريستيانو رونالدو مباراته رقم 1000 في مسيرته الكروية، خاضها وكأنه يخوض مباراته الأولى، فلا يزال وهو بعمر الـ35 يمتلك نفس الشغف والحماس، كما لو كان في بداياته، كما لو كان طفلاً يتلمس خطواته الأولى، ويداعب كرة القدم كما لو كانت تلك التي أهداها له أبوه في يوم ميلاده الخامس، لا يزال يبحث عن مجد جديد، وعن ألقاب أخرى، وهو الذي حقق منها ما لم يحققه غيره.
لا أعتقد أن مساحة هذا المقال تكفي لسرد مسيرة هذا النجم، ولا هي كافية لإحصاء ألقابه العديدة، سواء على المستوى الشخصي أو حتى الجماعي، ولكن لنكتفي بالإشارة من بعيد إلى لاعب لا يكتفي ولا يقنع، وإلى نهم شديد للأمجاد ونفس لا تشبع، وإلى حضور لا يشبه غيره من اللاعبين الذين مروا على اللعبة، فهو يمثل حالة فريدة لا تتكرر كثيراً في عالمنا هذا.
على صعيد كرة القدم بوجه خاص، والرياضة بشكل عام، يجب أن يشكل كريستيانو رونالدو منهجاً قائماً بحد ذاته لكل اللاعبين والرياضيين، ويجب أن تكون سيرته درساً شاملاً لكل الأجيال في كيفية استغلال الموهبة بالشكل الأمثل، وعدم التفريط بلحظات العمر المتسارعة والمشوار القصير في الملاعب في ملهيات الحياة وملذاتها، على حساب صناعة اسم ومجد خالد يبقى راسخاً في الذاكرة.
كريستيانو رونالدو هو النموذج الذي نريد أن نرى مثله في ملاعبنا، وكم من موهوب ظهر بيننا توسمنا فيه النجومية، ولكن جرفته رياح قلة الوعي والإدراك واستعجال الاستمتاع بمغانمها، قبل استيفاء كافة رسومها ومغارمها، فكان السقوط سريعاً، وكان الأفول هو المصير المستحق، لمن لم يعلم كيفية استثمار تلك الموهبة والحفاظ عليها والارتقاء بها.
مشوار الرياضي في الملاعب قصير للغاية، والحياة طويلة، ومن الضروري الموازنة بين الاجتهاد وتحمل المسؤولية والانغماس في أهواء النفس والحياة الشخصية، والموهبة كنز ثمين من السهل استخراجها، ولكن يبقى التحدي الكبير هو في كيفية إدارتها واستثمارها بالطريقة المثلى.
مسيرة النجم البرتغالي دروس ملهمة، وقصة يجب أن تروى بكل تفاصيلها الدقيقة لأجيالنا القادمة، في كيفية الحفاظ على الموهبة، والاستزادة من الشغف، وعدم الاكتفاء من الأمجاد، وكم كنا محظوظين أننا عشنا في زمن ظهر فيه لاعب بحجمه، لاعب أصر على تدوين اسمه، ومنذ بداياته، وحتى وهو متربع على القمة، لا يزال بنفس الطموح والرغبة والشغف، هو «الدون» الذي قد تتوقف الدنيا، وهو الوحيد الذي لا يتوقف.