عبر مهرجان الفجيرة الدولي للفنون، تألقت إمارة «مطلع الشمس» في عرسها البهي، فاجتمع العالم على شواطئها، وجالت أقدام المبدعين على مسارحها للغناء والتمثيل والاستعراض، فتمازجت الألوان في نوعيتها وحركاتها باختلاف الأجناس وتقاليد الدول وتنوعها الثقافي. وانتشرت المحبة في كل مكان، لاسيما في مساحات صال فيها وجال نقاش فكري دارت أطرافه في أفلاك الفن والثقافة والفلسفة، فهناك من اتكأ على أريكة الوقت ليرتشف القهوة والشاي، ويتجاذب أطراف الحديث مع من حضر من بلاد ما وراء النهرين وبلاد أخرى وضعت الفجيرة قبلتها، فبنت من الحوار ما قرب وجهات النظر وعزز القيم الإبداعية والعطاء الإيجابي، فغرس التسامح واحتواء الآخر والانسجام.
وفي زاوية أخرى، تجلس مجموعة مرموقة من أصحاب الفكر والتنظير، فتشاركوا لقمة أو قرمة وقد اجتمعت سيدات المنطقة للترحيب بهم، وتعريف الجيل الجديد من الشباب بمخزون ذاكرتهن وأصالة الحرف والأعمال التقليدية، فوضعن حبوب القمح أمامهم وطحنّها في الرحى وعجنّ الطحين وصنعن الخبر الذي أغرقنه بالسمن البلدي وعسل الجبال النقي وقدمنه لكل من يقف أمامهن، وعندما وضع أحدهم يده في جيبه قاصداً محفظة نقوده قالت له صانعة الخبر: «فور يو سير... نو ماني»، فوقف الرجل وعلى وجهه علامات الاستفهام الكثيرة منها: «كيف؟ لماذا؟ هل يعقل؟» لكنه بعد دقيقة أخرى جذب صديقه قائلاً: «ويقولون لنا في بلادنا بأن الخبز الذي نأكله عضوي... لقد أضاف هذا الخبر مفهوماً وبعداً جديداً لمصطلح (عضوي)». وأكمل هذا المفكر مشواره مع أكل الرقاق والخبيص والمرقوقة والهريس والچامي والعرسية وغيرها مِما لذ وطاب.
لمس المهرجان جانباً مهماً من الفن والطرب والغناء، فقد استعرض ذاكرة الإبداع في الأغنية العربية المعاصرة، فعرض مقتنيات الراحل الكبير عبد الحليم حافظ على مسمع من فنون الأداء الشعبية كالهبان والليوا والويلية والأغنية الإماراتية بشكل عام. في مهرجان الفجيرة الدولي للفنون انصهر العالم في الفن وجمالياته لعشرة أيامٍ متواصلة لمع في لياليها مجموعة من نجوم الفن والطرب، فلم يعد هناك مجال إلا للإنسانية والمضي قدماً للخمسين عاماً القادمة بثبات رجل واحد، وخطى تعي موطئ كل قدم.
للعارفين أقول: شكراً حمد، شكراً لصاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي وأشباله «صُنَّاعُ المستقبل» وحرمه المصون سمو الشيخة فاطمة آل مكتوم وكريماتها، فقد عملوا كأسرة نموذجية على مدار أيام المهرجان، فتعلمنا منهم بيقين أن العمل المتكامل والجهود الجادة والمثابرة والوفاء تؤتي أُكلها، فتكون النهاية بداية لشيء أجمل وأعظم. شكراً للرقي الذي يعبر عن دولة الإمارات وغرس زايد الخير. وعَمار يا بلادي.