الليلة قبل الماضية خيّم حزن شديد على قاعة التحرير في «الاتحاد» الصحيفة التي نتشرف بالانتساب إليها، والعاملون فيها يتلقون ذلك الخبر الصادم والفاجع بوفاة أخ عزيز وزميل فاضل هو الفنان والمخرج الفني علي الجاك الذين عرفته وعرفه الكل بدماثة الخلق وطيب المعشر اللذين يميزان طباع وسجايا أشقائنا السودانيين، وزاد الجاك بمهنيته العالية، وموهبته الإبداعية الكبيرة.
أمس، احتضن ثرى الإمارات الطاهر بحب وحنو جسد علي الجاك، بذات الحب الذي يكنه الراحل العزيز للإمارات وأهلها على مدى عقود من الزمن عاش وعمل بيننا في مواقع ومهام عديدة، وضمن المشهد الثقافي والفني، كان الإبداع عنوانه الأول. وبذات الحنو الذي كان يميزه في عمله وعلاقته بكل من عرفه، وهو لا يبخل بعلمه وخبراته وفنه على الجميع، وبكل تواضع وخُلق رفيع لإنسان يتبتل في محراب الثقافة والفن.
اقتربت منه عندما تولى إخراج وتصميم غلاف كتابي الأول «يوميات من القرن الأفريقي» الذي تكفلت بإعداده وتجهيزاته الفنية «أبوظبي للإعلام» الصرح الذي يجمعنا. وجدته يشاركني ذات العشق للقارة السمراء وموسوعي المعرفة بخبايا ومكنونات ثقافاتها وفنونها الثرة، وكان مدرسة بحد ذاتها.
يقول أستاذ علم الجمال الفنان التشكيلي الدكتور عمر عبدالعزيز لقد كان للجاك «جملته البصرية والاستثنائية من خلال العلاقة باللون والفراغ والاحتشاد، وكامل التناصات والتقاطعات المرئية واللامرئية في الصورة الواحدة». قبل رحلته الأخيرة مع المرض، كنت أمازحه «أما آن لهذا الجسد والإنسان أن يستريح؟»، وكان يرد بهدوئه المعتاد وبنبرته الهامسة «بيكاسو كان يرسم على أعتاب التسعين، الإبداع والقدرة على العطاء يا صديقي لا عمر أو زمن له». وقد كان في ذلك مثالاً للالتزام والمواظبة على العمل وقدوة للجميع في التفاني مهما كانت الظروف. وأتذكر كيف كان يتحامل على نفسه ومرضه غير آبه لدعوات زملائه بالراحة ليكمن في خندقه خلف شاشة الكمبيوتر ليقدم صفحات وأغلفة للكتب تقطر عذوبة وفناً في زمن «الجملة البصرية الاستثنائية»، بعد استيعاب كل حرف في النص المقدم ودلالاته.
اليوم وقد ترجل الجاك في المحطة الأخيرة لحياة كل مخلوق، نعزي أنفسنا وأسرته، سائلين المولى عز وجل أن تتنزل عليه شآبيب رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهمنا وعائلته ومحبيه الصبر والسلوان.
وداعاً علي الجاك.. الفنان الإنسان.