الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

هوياتنا إذ نشبه..‏ ولا نشبه غيرنا

هوياتنا إذ نشبه..‏ ولا نشبه غيرنا
27 فبراير 2020 02:35

الهوية كل ما يفرقك عن شبيهك، بمعنى الصفة أو الصفات التي فيك وتميزك عن غيرك، هذا تعريفها في معجم أوكسفورد ومثله المعجم الوسيط عربياً، ولكن مأزق هذا التعريف يأتي حين محاولة تمثله، فالهوية هي معنى جماعي، وبالتالي فهي صفات جماعية، وهنا نتساءل، كيف تصبح صفات مجتمع ما مختلفة عن صفات مجتمع آخر، ومهما بحثنا فسوف نقع على صفات وسمات تشترك فيها البشرية كلها، ولن تخص قوماً دون قوم لكي تكون هوية لهؤلاء دون غيرهم، فكل له لغة وله دين وله أرض، فقط تختلف أسماء هذه المسميات، وربما نجد في مثال أميركا توضيحاً، فأمريكا مزيج أعراق ومزيج ديانات وألوان، واختارت لغتها الرسمية استعارة من غيرها، ومع ذلك هي دولة عظمى، بل هي أعظم دول زمننا هذا، في حين أن كل صفاتها مستوردة، وأهلها مهاجرون، وتاريخها قصير جداً ولكن مفعولها كبير جداً، والبوتقة الصاهرة التي كانت شعار الدمج لم تنجح وظلت التعددية لوناً وديناً وعرقاً وثقافة هي السمات العامة للمجتمع الأميركي، ومع هذا المزيج الذي هو مجاميع من المهاجرين ظل التماسك الأميركي مذهلا في كل أوقاته سلماً وحرباً، وهنا يأتي المعنى الحاسم بناء على صورة أميركا في أذهان غير الأمريكيين، والتصور العام عن أميركا لا يأتي من لغتها فلغتهم مستعارة، ولا عن دينها فدياناتها متعددة، ولا عن تاريخ قديم لها، فهي بلا تاريخ وبلا ذاكرة تراثية، ولكنها تمثل نموذجاً للإنجاز التقني الاقتصادي والعسكري والسياسي، وهذه خلطة عملية تصنع مقام أميركا وترسم ذهنيتها في التصورات، وقوة أميركا في هذه المنجزات هي الأعلى في أي مقارنة وعند أي منافسة.
وهذا واقع يعدل من حقيقة مفهوم الهوية، ويجعلها في الموجز الذي يصبح علامة عليك، وهذا يترجم عملياً قول علي بن إبي طالب:
كن ابن من شئت واكتسب أدباً/ يغنيك محموده عن النسب
فليس يغني الحسيب نسبته/ بلا لسان له ولا أدب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا/ ليس الفتى من يقول كان أبي
هذا الشعر الذي نحفظه منذ السنوات الأولى في مدارس طفولتنا، ولكننا مع حفظنا له نظل نقول كان أبي، ويبقى أن نقول: ها أنذا، لكي نصنع هويتنا.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©