وحدها الصور تجول في شريط الذاكرة، متخذة تفاصيل من الحديث والضحك، من السخرية، من الانبهار بالجمال حتى في تلك التفاصيل الصغيرة.
هكذا كان وقع خبر رحيل الجميل والرائع علي الجاك صديق الحياة والفرح والجمال، صديق الكتب والأغلفة، صديق الرسم والتفاصيل الدقيقة في الحياة.
رحل علي تاركاً وقع حضوره الخفيف، الهادئ الحالم في ممرات الجريدة (الاتحاد)؛ رحل تاركاً بصماته في إخراج عشرات الأعداد من «ملحق الاتحاد الثقافي»، رحل تاركاً زاويته في قلوب من أحبوه، رحل تاركاً عشرات الأغلفة التي صممها وأبهرت الكثيرين، خاصة في تجربته بالمجمع الثقافي خلال التسعينيات من القرن الماضي.
رحل ولكن كل أشيائه الجميلة ستبقى، فالأصدقاء الحقيقيون حين يرحلون دائماً ما يدعون محبتهم، في مخزون الذاكرة لتعيش السنين، لتحضر كلما جاءت أطيافهم متشكلة في الحنين والمواقف، في الضحك في مشاهد الطبيعة، في اللحظة المتخيلة للمقاعد التي شغلوها، للفضاء الذي زخر بوجودهم.
بين «غيوم وحجارة 134» المجموعة القصصية لجاك، فئة القصص القصيرة جداً، وحياة علي الجاك اتساق كبير، حيث تنفجر اللحظة في الكتابة عند أسطر قليلة جداً، مخلفة صدمة ومشهدية متسعة في الخيال.
هكذا كان علي، لا يسرف في الكلام، لا يحتاج أن يسرد كي يصل، إنه يومض حتى تشع الفكرة التي كثيراً ما تدهشه هو نفسه.
وكثيراً ما جلسنا، ما تحدثنا في مواضيع مختلفة بين الفن والشعر والتشكيل والسياسة والأصدقاء، كان علي يبتهج فيها مع كل إضاءة جميلة، ولا يحضر علي عند حديثه غطرسة الأنا وتشعباتها المنفرة، بل كان دائماً متجلياً بإنسانيته العالية، يحلم بسلام الكون، بمحبته، أن يعيش في سلام وأن يمر بسلام، كثيراً ما كان يستنكر القبح حين يتفشى في الصورة، وكان الجمال دائماً في نظرته مختلفاً، يراه بنظرة غير النظرة العادية المستسلمة لمعيار واحد لقياس الجمال والحياة بمجملها.
سوف نفتقد حضورك والأحاديث العابرة في صالة التحرير، سنفتقد حديث الغداء المتقطع المشترك في الثانية عشرة ظهراً، ستفتقدك تفاصيلك في بلدك السودان الجميل، ستفتقدك تفاصيلك في بلدك الثاني الإمارات التي أحببتها.
وداعاً أيها الزميل، أيها الصديق، وداعاً والسلام لك والسلام لروحك.
وداعاً.. وداعاً.