أمس الأول، جلست كما اعتدت قديماً.. أترقب مباراة الأهلي والزمالك.. الطقوس تغيرت قطعاً، لكنني أحاول أن أتشبث بما أحب، غير عابئ بالتصريحات والتكهنات، فظني دائماً أنه لا شيء في مصر يخلف الموعد، وأنه مهما حدث سينصاع الجميع للكيان.. للتاريخ وللنيل وللهرم وللريادة.. سينصاع الجميع لمصر التي في خاطرهم وخاطري.
ورأيت كما رأيتم كيف كان الحال، فالمدرجات الخالية التي اعتدناها لم تعد تكفي لنضيف إليها جرحاً جديداً.. وقف الحكام الأجانب يضحكون، وانهالت التسريبات عن فريق الزمالك، وهل يأتي أم لا يأتي، وهل تحرك الباص المعطل فوق كوبري أكتوبر أم لا، وهل عاد اللاعبون الناشئون إلى بيوتهم أم ماذا، قبل أن تنطفئ الأنوار، ويدرك الجميع أن أشياء كثيرة قد تغيرت.. أهل مصر لم يعودوا كما كانوا، ومصر لا تستحق ما يفعله بها بعض أهلها.
لا يمكن أبداً أن يقول لي أحد: هذا شأن مصري، فمصر شأن وقلب وعقل كل عربي.. لا يمكن أن تمنعونا عن حبها، ولا عن القلق عليها، ولا عن البكاء من أجلها ونحن نرى النادي لديكم - أي نادٍ- أهم وأحب من مصر.
أتابع مثلكم تماماً ما يدور على مواقع التواصل الاجتماعي، ومعظم الأصدقاء على صفحتي من المصريين.. أتابع نكاتهم وتعليقاتهم، وألمس تغيراً طرأ على الحالة المصرية.. تغيراً لا يليق بهذا الشعب الذي لم تعد النكتة لديه كما كانت نقية مبهجة، ولا الاحتمال لديه كما كان.. لا يكترث بشيء ويجادل في كل شيء ويهون عليه أي شيء، لكن آخر ما ظننت أنه يهون «الوطن».
أمس الأول، لم يكن ما حدث مجرد إلغاء مباراة، ولا ما سبقها ولا ما تلاها من طقوس الكرة.. مصر أكبر من الأندية ومن فيها ومن الفوز ومن الجماهير.. مصر التي عليكم وأنتم تكتبون أو تتكلمون أو تشجعون أن تضعوها نصب أعينكم.. مصر ليست فقرة في برنامج فكاهي ولا إجابة بنعم أم لا.. مصر جغرافيا وتاريخ ومائة مليون نسمة وعلم ونشيد.. مصر لا يمكن أن تكون في هتاف بذيء ولا مشهد مقزز ولا سخرية ساخر ولا استعراض مدعٍ.. مصر كبيرة وجميلة فلا تحجبوا وجهها الجميل.. عاملوها بما يليق بها ودعونا نراها كما اعتدناها سيدة الدنيا وأجمل ما في الدنيا.

 كلمة أخيرة:
إياك أن تخاطر بالوطن .. الوطن غدك وولدك وصباك وقبر أمك وأبيك