لكم أشتاق لذلك النداء الصباحي أيام ساعات الدوام المبكر في تلك السنوات الجميلة، حين يطرق مسمعك وأنت تقف عند الإشارة الحمراء صوت بائع الصحف المليباري بلهجته التي اعتاد عليها الناس، وأدركوا ما يعني: «اتهاد.. كليج.. بيان»! وتلك الصداقة الرصيفية التي خلقها مع الناس، ومع صحفهم التي يحبون، كانت صحيفة «الاتحاد» هي أول ما أستل من يده السمراء النحيفة والمرتجفة بإيقاع سرعة الإشارة المرورية.
كانت «الاتحاد» حاضرة من قبل ومن بعد، منذ كانت أسبوعية حتى أصبحت يومية، منذ تنقلها من شقة في شارع المطار إلى مبناها القديم عند نادي الجزيرة إلى أن استقرت في مبناها الحالي بعد ما كبرت، وتأسست، وأصبحت مثل قهوة الصباح عند الناس، وشاهداً على أحداث المدينة والوطن.
مَرّ عليها في حياتها التي ستدخل الخمسين، رواد ورؤساء تحرير ومدراء تحرير وصحفيون مهنيون من الأقطار العربية كافة، حتى تخال أن اجتماع التحرير الصباحي أو رواق غرفة التحرير مجلس انعقاد لأعضاء جامعة الدول العربية، ومرت هي بمحطات إدارية مختلفة، منذ «مصطفى شردي»، و«خالد محمد أحمد»، و«عبدالله النويس»، و«عبيد طويرش»، و«راشد العريمي»، و«محمد الحمادي»، حتى إدارتها الحالية، وبين أولئك مروا عليها في مفاصل تاريخها آخرون عابرون وطارئون، وصحفيون ومراسلون ومدراء مكاتب خارجية هم علامات وركائز صحفية عربية وأجنبية اليوم، نتذكر من رحل بالرحمة والمغفرة والدعاء، ومن بقي بالصحة والشكر واستمرار العطاء.
أتذكر أول مرة دخلت مكاتب «الاتحاد» كنت تلميذاً في الصفوف الابتدائية، ضمن الرحلات المعرفية المدرسية في مبناها الأول، ثم دخلتها متدرباً بعد التخرج في مبناها الثاني، ثم دخلت مبناها الثالث ككاتب قصص في الملحق الثقافي المتميز حين كان يديره اثنان من أفضل الصحفيين الإماراتيين «علي أبو الريش»، و«عبد الحميد أحمد».
مرت «الاتحاد» شأنها شأن الإعلام في الإمارات بفترات مد وجزر، فترات تصدر النشر اليومي والسبق الإخباري، وفترات تراجع، لكنها في كل الحالات كانت تنهض، وتفاجئ قرّاءها بالجديد والمدهش، فـ«الاتحاد» أول من عملت موقعاً إلكترونياً من بين الصحف عام 1995، وأول من حاولت التوزيع بوساطة الطائرات المروحية إلى الإمارات الشمالية، وأول صحيفة محلية كان لها شبكة مكاتب خارجية ضخمة.
واليوم.. هي تلبس حلة جديدة، ومختلفة، واعدة بالكثير، والجميل، لتبقى واحدة من صحف الإمارات الرئيسية التي كان ينادي عليها ذاك البائع المليباري النحيف حد الفقر في السنوات الجميلة عند إشارة المرور الحمراء: «اتهاد.. كليج.. بيان»!