عندما يبدأ طفلك في الحبو، تنبت في وعيه طاقة الاكتشاف، فيبدأ في تفكيك كل ما يقع بين يديه، وأنت تخاف عليه من الإصابات المؤلمة.
فأول ما يبدر منك، هي الصرخة المدوية في وجهه، فترتج الجدران في داخله، وترتعد الفرائص وتتهشم زجاجة قلبه، فينظر إليك بذعر، مستنكراً سلوكك المشين، فيرتد خائباً، باكياً، مرتمياً في حضنك، مؤنباً إياك لأنك تجهل ما كان يقصده، لأنك تملك عقلاً أصغر من عقله، لأنك تبدي خوفك من أمر طبيعي لا بد أن يحصل لدى طفل لم تزل صفحة العقل في رأسه بيضاء من غير سوء.
أنت فعلت ذلك، لأنك تعتقد أنك تريد منع حدوث الكارثة، ولكن الكارثة الأكبر هو الشرخ الذي رسخته في وجدان طفلك دون أن تدري، ودون أن تعي ماذا كنت قد فعلته.
عندما يقوم الطفل بكسر فنجان القهوة، فإنه يفعل ذلك لأنه يريد أن يجس نبض هذا العقل الكامن تحت الجمجمة الرقيقة في رأسه. يريد أن يجري تجربة واقعية، حول ما إذا كان هذا الفنجان قابل للكسر، أو للثني، أو أنه مادة يمكن أن توكل، وما مذاقها؟ أنت لم تفكر في ذلك أبداً لأنك لم تتعلم التجريب، وتريد من ابنك أن يورث هذه الصفات لكي يظل شبيهاً لك.
كل أب يريد من ابنه أن يشبهه، وأن يكون مثله. مشكلتنا لا نريد أن نعلّم أبناءنا طريقة الاختلاف، لأن الاختلاف يؤذينا، لأن الاختلاف في أعرافنا، تضاد، ونحن لا نحتمل وجود الضد في حياتنا، لقد علمونا على التشابه في الحب، وفي الدين، وفي الرأي، وفي الطرح، وفي التعامل في حياتنا اليومية. فلو حدث أن صادفنا شخصاً، يقول لنا هذا الطريق يوصلنا أسرع إلى المحل الذي نريد الذهاب إليه.
في هذه الحالة، سوف نستنفر كل طاقتنا للاحتجاج، والرفض، وكبح كل خطوة يخطوها هذا الشخص الضد. نحن لم نعرف في حياتنا عن الضد إلا المقابل الآخر، وهو العدو، فكل من يذهب في الطريق المقابل فهو عدو، ولا بد من مجابهته، بما يكفي من عنف.
عندما يكسر طفلك فنجان القهوة فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك، هو أن هذا الكائن البشري الصغير هو مشروع عدوان سافر ضد القانون، والقانون هو من صنيع الذاكرة الجمعية. وحتى يتسنى لك إفشال هذا المشروع، لا بد من قمعه وتحجيمه، وإيقافه عن بث نزيفه في المحيط الأسري. ولكنك من حيث لا تدري، فإنك كسرت أكثر من فنجان، عندما شوهت وجدان زهرة، كان بإمكانها أن تنمو، وتزدهر، وتصبح زهرة تفوح بعطر الشفافية.