ملتقى مدارس الثقافة العسكرية السنوي، والذي أقيم برعاية كريمة من لدن معالي الشيخ الدكتور سعيد بن طحنون آل نهيان، جمع الفن والرياضة والتعليم وبعض المظاهر العسكرية، شاركنا فيها نجوم منتخبنا الذهبي، والنجم الكويتي فتحي كميل، والحارس البحريني حمود سلطان، وكثير من الوجوه الرياضية والفنية، لقد كانت تلك الجمعة الطيبة التي خرجنا منها، وقد جرتنا أربعين سنة إلى الوراء، كنا أطفالاً، واليوم الكثير منهم أصبح جدّاً، غالبنا الحياة، فغلبها البعض، وتغلبت على البعض، كل منّا أخذ سهمه من الحياة نحو أحلامه وطموحه، البعض وصل، والبعض خانت به ركائب الحظ، كانت أمسية دافئة بكل ما يعني الدفء والحب، أغلبنا لم يعرف الآخر، فقد ودعناهم صغاراً، لم يخط لبعضهم شارب، واليوم تغيرت الوجوه القديمة، واستعصت على الذاكرة الملامح الجديدة، في تلك الليلة لم يخرج الحوار عن التفاصيل الجميلة التي نذكر ونتذكر، لم يخرج عن ذكر من علمونا ودرّبونا وضربونا ووجهونا، ولم يخرج عن تلك المقارنة بين جيلنا وجيل الأبناء اليوم، كنا نعيش على خشونة الأشياء، وشظف العيش، وكبرنا رجالاً، وهم يعيشون كل سبل الرفاه، ونعيم الأشياء وناعمها، لكنهم مختلفون، ولا يشبهوننا، لا نريدهم صورة منّا، ولكن لا يفرطوا في الثوابت، وتلك الأشياء الجميلة التي تميز أهل الدار الطيبين، كانوا يقولون كل ذلك، ويجرّون بعدها آهة، لا يفهمها إلا من عاش في «بركسات» الجيش، والرطوبة تنغل الطبقة الأسمنتية، ومروحة هرمة وحيدة معلقة في السقف، وبطانيات من الصوف الإنجليزي الرمادية غطاء الصيف، ولحاف الشتاء، وأكل من «البندرة أو الكانتين»، وسيارات «بيدفورت» تنقلهم من أبوظبي إلى مدنهم المختلفة ظهر الخميس، ليعودوا ظهر الجمعة.
لقد مر على مدرستنا العسكرية مدراء أجلاء «ماكدونالد، وإدوارد، وخليل خريسات، وسعيد عبدالله ناصر، وعلي الجفال، وعبداللطيف التوم، وناصر البلال، وفاضل الشامسي» وجاءهم بعدهم كثيرون بعدما تخرجت منها، كانت سيرة معلمينا هي السائدة في الحديث، اليوم وبعد ما كبرنا، عرفنا قيمة ما يقولون، وما يفعلون. حديث الذكريات يطهّر النفس، ويمدها بطاقة إيجابية عالية، تشعر بعدها بتلك الخفة التي تشبه خفة الطائر، وثمة أشياء من السعادة تحوم حولك كهالة من نور.
كل الشكر للأستاذ والمربي «سعيد عبدالله ناصر» على جميل الالتفاتة، وطيب الجمعة، وإدخال الفرح لقلوبنا، والشكر لكل القائمين والمتطوعين لجعل تلك الأمسية ناجحة ودافئة بامتياز.