مهرجان الشعر النبطي في دورته السادسة عشرة، الذي افتتح الأحد الماضي، برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المبدع الشاعر، حاضن الشعر والشعراء والإبداع في كل مجالات الحياة والثقافة. بارك الله سموه وحفظه وأبقاه منارة تضيء لنا دروب الحياة والتطور. فعلى مدار أسبوع كامل كان مهرجان الشعر النبطي، الذي استضاف ستين شاعراً وشاعرة وإعلامياً من خمس عشرة دولة عربية، يعزف إيقاع الشعر النبطي على مسامع كل من حضر في مجلس الحيرة وفي قصر الثقافة، ليعيد للذاكرة التي خفتت تحت وطأة وسائل الإعلام المدونة وشبكات التواصل الاجتماعي، يقظة الانتباه إلى اللغة المحكية، ويعبرون بها شعراً وحكمة. وحين أنصت إلى الشعراء الذين كانوا يلقون قصائدهم النبطية، عادت بي الذاكرة إلى سنين الطفولة والصبا حين كنت أستمع إلى القصائد التي كانت ترددها والدتي وخالاتي، حين ينتهين من مشاغل البيت ويجلسن في الغرفة، يستعدن ذكريات وطنهن في الشارقة حيث شطت بهن طرقات الحياة إلى الهجرة والاغتراب منها إلى البحرين بحثاً عن الرزق قبل بزوغ شمس الإمارات ونهوضها على يد المغفور له الشيخ زايد «طيب الله ثراه»، لتصبح منارة للتطور والإبداع والرقي. كنت صبية أنصت إلى القصائد الشعبية التي كن يرددنها صباحاً ومساءً، كأنهن يستعدن بها ذكريات وجودهن في الشارقة التي ولدنا بها قبل قسوة الهجرة. كانت خالاتي ووالدتي يتبادلن القصائد الشعبية التي حفظنها. وكان في أصواتهن شجن المغترب الذي طوحت به الأقدار عن وطنه، وعن ذكريات الطفولة والصبا:
(البارحة ونّيـــت من ضيــــج ** حاشا ولا يعلــم بي إنســـــان
والغالــــي دروبـــــــه مغاليــــج ** رســــــــمه على لفـــاد ســكّان
ظامــي ويفـــــــرح بالتهريــــج ** ويحـــــوم قلبٍ دوم عطشـــان
علـى الفلي مــروا مطاريــــج ** أهــــل الهوى قادوا بالاظعان
ع ظهـور دلعـــات الخنانيــــج ** والحيـــــد لي مــر بــه خالان
ناجــل حملهـــــم والمعاليـــج ** ســــعنين والركيـب دجــران)
وحين ينقطع صوت خالتي تنشط أختها وتشاركها بقصيدة تخفف وطأة الشجن:
(القلب من يتعلق إنســــــــان ** لو با تعذله ما تواحيه
هايف شــير قلبي وعشـــــــان ** قلّـــت وروده من بيســـــــــجيه
خذني بروف الله والاحـسـان ** قلــــب وليتــــه لا تشـــــــــــجيه
والحب لي طاح الصـخــر لان ** وان طـــاح في الفولاد يبريه)
فشكراً لمهرجان الشعر النبطي الذي أيقظ ذاكرتي من تراب النسيان.