لأنك يا سيدي تنوء بأحمال الرغبات والأنانية، فإنك تصرخ من سوء ما تدبره لك الأيام، وما تصطدم بها من صخور، فقلل من رغباتك، وعش بطبيعتك، ولا تطغى في فتح مواسير المطالب، فسوف تشعر أنك حر، ولا حاجة إلى من تعطيك ذلك الميسم الحار، والذي تعتقد أنه البلسم، وأنه المبسم، وأنه الحلم الزاهي يضيء نواحي القلب، ويسفر في الوجود نهاراً مخضباً بخيوط الشمس، مخصباً بأعشاب الفرح، مرتباً بأنامل الشفافية ورقة الملمس.
كن في الحياة وردة، تعطي بلا شروط، كن نورساً يحدق في بياض الموجة وينتشي حبوراً. سوف تضمر كل القرحات، وتضمد الجروح، سوف تنثال على مقلتيك نثات المطر، وتعشب حقولك بالسعادة.
لا شيء أعظم من العفوية، ولا أنبل من فطرتك، إنها تخرجك من متاهات طرق غشاها غبار، وسعار، ودوار، إنك في الفطرة، تنام قرير
العين هانئاً، وتهز جذع نخلة الحياة، فيتساقط عليك الرطب جنياً، تكون أنت المنكسر، جذعاً سوياً، تكون جناحاً سخياً، تكون مثل ذلك الذي شق قميصه من دبر، فتعافى نقياً شفياً من صهد الخيانة، حين انتصبت نخوته، بفحولة التسامي، فلم يخب، ولم يصب، ولم يكب، بل سار في فيافي الدنى سحابة تمطر، ولا تكسر، وتسهر على ربيع الأيام لتبدو الحياة وردة تزهر بلون الصفاء، وتعطر الحقول ببخور النقاء.
كن سيدي في قلب العفوية، وسوف تنهض جذورك من عدم، سوف تكون أنت الجدول والجدل، وتكون أنت المعول والعدل، وتكون أنت المنجل والحقل، وتكون في الشجرة تفاحة الصبوة الأبدية.
لا تنكسر فإن في بعض الظنون جنوناً، وفي بعض الجنون عقلاً، ربما تستوعب كيف يكون العقل مسباراً لخفايا ونوايا ورزايا، وربما عندما تعي أنك في الفطرة، غصنا ليّناً، طيّعاً، وفي ثناياه تكمن أسرار الوجود، وفي طواياه وجد الطيور الغافيات على ماء القلوب.
كن فطرياً واخرج من شوائب المعمعة، فلا تدهشك الألوان البراقة، كما تدهش الثيران الإسبانية الخرقة الحمراء، كن أبيض ناصعاً، تكون في البياض شمعة، أو قطنة معطفك الأزلي، كن سيدي ولا تغبن، ولا تكنن، ولا تكمن، ولا تسحن، ولا تغضن أنك في الفطرة، وفي نبرة الطير، وتغريد الحمام، أنك في الحفيف، ورهيف الشجن، أنك في متن أحلامك البهية، وفي أتون الصورة المثلى لحياة بلا نزق، ولا أرق، ولا قلق، ولا رتق، ولا طرائق، ولا حرائق، ولا مزالق، ولا شقائق، أنك في العقل الطبيعي فراشة، موئلها حضن الزهور.