تتسع رقعة الطبيعة حين تفتن الأرض والبحر معاً، وحين تجذب بممشاها الجميل روح البشر وصفاء المكان، وحين ترسم لوحة جميلة، قل ما ترى اختلافاً بين شجيراتها ورؤية الفنان، بين حوار الأمس الجميل، والآتي من فضاء الزمن، تلك الممرات يتسع قلبها للحياة، تعكس أيقونة الطبيعة الساحرة، وأنفاس الشجيرات الصغيرة، الممتزجة بالأخضر المترامي على الضفاف البكر، تحمل رائحة البحر الشقي، وذاكرة المكان، تحمل أريج الزرقة بين أغصان كأنها أقلام، تكتب بانوراما وقصصاً من الحكايات التي لم تقل بعد، تكتب من خيالها أو من ذاتها، تزف بها السماء عصافيرها، تزفها كفسيفساء غناء لا مثيل لها بين الجزر.
في جزيرة الجبيل، افتتح الممشى الجميل بين شجيرات القرم التي رسمت طبيعتها مع البحر رسماً.. قلَّما ترى العين هكذا لوحة، وبهذا السحر وكأنها تترادف مع خيال الشعر والفنون، وبهذا تجذب طبيعة البحر إلى حضنها الدافئ المتموج بين جموع الحضور المبادر إلى كل هذه العطايا الجميلة، ولم ينأ الفنان الأسترالي غراهام جون بعيداً عن هذا السحر، فجسد بريشته لوحة شجر القرم، حين كان يسكن في قلب أبوظبي، وحين كان ذا شهرة في رسم المشاريع العمرانية. يقول غراهام: بمجرد ما اكتفيت، وأيقنت أن لدي ما يكفي من مال لا أقول ثروة طائلة، وإنما ما يجعلني أعيش عيشاً كريماً، تركت الأعمال والبناء، وعدت إلى وطني أستراليا، ولم يكن عوداً نحو الفراغ، بل إلى استكمال مشروعه الفني الذي انتهجه منذ سنوات، وأخلص للفنون وعالمها وسحر الريشة التي ترافقه أينما رحل.
حين افتتح معرضه الفني في مول غاليريا هذا الشهر التفتُّ إلى لوحة شجرة القرم وتمازج فكرة المشروع مع ريشة الفنان، إنها اللوحة التي تمازجت مع افتتاح الممشى الذي يبتهج له القلب، ومن خلال افتتاح المعرض تحدث الفنان غراهام جون عن شكره وامتنانه لهذه الأرض التي قدمت العون لبلده في إحدى مِحنها، وتحدث بإسهاب عن أصدقائه وصداقاته المتميزة هنا في الإمارات.
هكذا هي الحياة، امتدادات من الأمل ومن صوت دافئ يعيد لها الحنين، أو لوحة ترمز لها من قريب، أو ريشة فنان تسكنها وتغذي فيها ألوان الوجود.. هكذا هي الحياة حكاية لا تغترب طالما هناك حلم يتجدد، وصداقة تصون الزمن حتى لا تتصدع جدرانه وحتى يمتد الممشى الجميل بعد أن كان صورة غامضة، عبارة عن صفحة من الزرقة تزف اخضرار الشجر، إلا أن ريشة الفنان تقترب من الحضور الذي شد الرحال نحو المشروع، مبتهجاً بالطبيعة وبجمالها.