نشرت مجلة «The New England Journal of Medicine» أقدم مجلة طبية في العالم، والتي تعرف باسمها المختصر «NEJM»، والتي تأسست عام 1812م، تقريراً أو دراسة عن أجمل سنوات من عمر الإنسان الإنتاجية، وتحقيق الأحلام، وبناء الشخصية المكتملة، عادّة سن الأربعين سن النضج الحقيقي، وتكون الحكمة، وعمر الخمسين سن الاكتمال والبصيرة الواعية، وسن الستين هو العمر الذهبي للإنسان المنتج والناجح، وتمام القوة والتميز، واعتمدت فلسفة المجلة في هذه الدراسة التي أجريت قبل سنتين تقريباً، بناء على معطيات من أرض الواقع، وتجارب الناس في المجتمعات المختلفة، ورصد الحالات الناجحة والمتفوقة في هذا العمر الجميل من عمر الإنسان في مناطق مختلفة من العالم، حيث وجدت أن معظم الشركات العملاقة في العالم تسند وظائفها الرئيسة والحساسة لموظفين تجاوزوا عمر الستين عاماً إلى السبعين عاماً، لأن الإنسان في هذا العقد يصبح أكثر إنتاجية وعطاء وتعاوناً مع الآخرين، ويدير أعماله بحكمة، وسيطرة تامة على مجرياته، والبحث عن حلول سريعة كخطط بديلة، يليه في الإنتاجية العقد بين السبعين والثمانين، بشرط أن يتمتع الشخص فيه بالصحة التامة، واللياقة البدنية، أما العمر الثالث من حيث الإنتاجية فهو الذي يقع بين الخمسين إلى الستين عاماً، وقد أوردت أمثلة مصداقاً لتأكيد بحثها ملمحة إلى أن متوسط عمر الفائزين بجائزة نوبل هو 62 عاماً، ومتوسط عمر المدراء التنفيذيين الناجحين في 500 شركة عالمية هو 63 عاماً، ومتوسط عمر القساوسة في أكبر 100 كنيسة هو 71 عاماً، ومتوسط عمر البابا في الفاتيكان هو 76 عاماً.
تلك الدراسة بالتأكيد لا تنطبق على العرب، ولم تشملهم، لأن لا بقاء ولا وجود ولا أحلام لما بعد الستين، إلا للزعماء المعمرين، أما الإنسان العربي العادي فتهدّه الحياة وأوضاعها الصعبة في محيطه مبكراً أو يجعل الحياة تسلبه طاقته الإنتاجية بتدمير نفسه في التخبيص والمبالغة في كل شيء بدءاً من الشراب والطعام، وعدم معرفة التعامل الجميل مع الحياة وما فيها من نِعَم ومزايا أو يطلقون عليه رصاصة الرحمة كخيل الحكومة بالتقاعد، دون أن يهيئ نفسه لهذه المرحلة، فينزوي ويعتزل، ويعيش الوحدة القاتلة، مع أوجاع الجسد الطارئة والمتوهمة، والتفكير بالقبر وعذابه، ويسهم المجتمع في هذا التغرب الداخلي له، حيث يعامل كقطع غيار مستعملة، حتى يصل ببعض الأولاد أن يقبّلوا بوجه أبيهم نحو القبلة منذ أن يصحوا فجراً، حتى إن مات، مات ووجهه متجهاً نحو الكعبة!
هي دعوة وأمنية للجميع أن يعيش الإنسان يومه، ويدافع عن أحلامه، ويؤمن بمصدر قوته، ولا يجعل الآخر يسلبه طاقته المبدعة.. يسعد صباح الستينيين المتفائلين بحياة أجمل على الدوام.