منذ زمن وهي تحكي له قصة الأفعى التي تزورها في كل ليلة، وتلتوي على عنقها حتى تكاد أن تخنقها، فتنهض من النوم فزِعةً، فترعبه عيناها الزائغتان، ويداها المرتعشتان، وشهيقها، وانتفاضة صدرها.
لقد حار في أمرها، وكلما حاول أن يفهم سر هذا الحلم المخيف، اصطدم بنفورها منه، وتعلقها بثيمة الحلم، وإغراقها بالبكاء حتى تختفي عيناها خلف غشاء سميك من الدموع الغزيرة. لقد طرق كل الأبواب، لأجل تخليصها من هذه الشبكة العنكبوتية الشرسة، حتى إنه لن يتورع عن الذهاب بها إلى بيوت الشعوذة لعل وعسى يجد ما يزيح عنها غلالة الأحلام المريعة، ولكن لا جدوى من طرق الأبواب الفارغة.
بعد حين من الزمن، يكتشف أنها سألته السؤال التاريخي الذي تتشبث به امرأة تعاني من سطوة الغيرة، وسيطرة عقدة الشريكة.
قالت له في ذات خلوة وتشظٍ أتحبني يا.. ثم تصمت، ثم تذرف الدمع مدراراً. أصيب بالصدمة، وقد هبط السؤال على رأسه مثل جناح نسر عملاق، وخطف من تحت جمجمته، تاريخ علاقة امتدت لعقود من الزمن. نظر إليها، وتملى محياها الشاحب، وعينيها المسغبتين، وجفنيها الذابلين، فكر أن ينفض رأسها من هذه التهاويم بصفعة تدير عقلها إلى الخلف إلى ماضٍ امتلأ بمشاعر الود، والحنان، ولكنه آثر ألا يكون رجلاً بدائياً، يحطب في غابة موحشة، مد يده، وتسللت أصابعه في غابة الشعر، وظل يدعك قلبها بكلمات ملت من سماعها، حتى أصبحت الكلمات مثل زبد البحر.
شعر بالحيرة، وقد اعترته حالة من الاغتراب، وانتابته مشاعر مستلبة، إزاء أنثى لم تعد أنثى، بقدر ما هي أفعى، إنها تنفر منه، وتشيح بوجوم كلما اقترب منها، وكلما لامس خدها بوشوشة لعلها تلين، وتتكئ على سويعات من الصفاء، ولكن لا جدوى، حتى فاض الكيل، وامتلأ وعاء القلب بشوائب فاحت منها رائحة الألم.
نظر إليها وقال يا إلهي، كيف يمكن للمرأة أن تتحول مشاعرها إلى نشارة خشبية عندما تقتحمها أنياب الشك، وتنغرس في ضلوعها مخالب الريبة والظنون. صمت هنيهة، وحاول أن يستدير بالذاكرة إلى أيام مضت، فتش في درج الذاكرة، وحاول أن يستدعي الصور الماضية، لعله يستدل على سبب وجيه يجعل هذه المرأة تغوص في الوحل. لم يجد، وتأكد من أنه لم يخطئ، ولن تزل قدماه في بحيرة العلاقات الثانوية. لماذا إذن وقعت هذه المرأة في هذا المستنقع. لم يجد مبرراً، سوى هذه الغضون التي احتلت مكاناً في تضاريس الوجه. نعم الغضون، هي التي تؤدي إلى هذا المنعطف الخطير.
المرأة عندما يذهب بها العمر إلى وديان التجاعيد، تشعر بالخطر، وما الأفعى إلا ذلك الوهم الذي يخيط قماشة الشك بوجود امرأة أخرى سوف تشارك الأولى رشفة الليالي الملاح. إذاً عندما تتقدم السن، فلا بد من تقدم المشاعر خطوات نحو حب أصفى، وإلا انقلب القارب وغرق الجميع.