نفكر في ملء جعب أبنائنا بالحب، ونقول: هؤلاء فلذات أكبادنا، وكلما صببنا من ماء الحب، وفاض التنور بالجمرات أحسسنا بأننا ختمنا الرسالة، وأدينا الأمانة، بينما نحن في الحقيقة نمارس حباً عصابيا مليئاً بشحنات عاطفية ملوثة بالأنانية.
نعم الحب المبالغ فيه، هو حب أناني، الهدف منه الاحتواء، والاستيلاء على مشاعر الآخرين ما يؤدي بالآخر إلى الإحساس بالضآلة والضعف، والتلاشي أحياناً، الأمر الذي يخلق شيئاً من ردود الفعل السلبية تجاه الآخر المحب.
الأبناء يحتاجون إلى الحب، كما يحتاجون إلى الحرية، الكثير من الحب، يتحول إلى سجن، يثير في نفوس الأبناء القنوط والسقوط في بحيرة من الأسئلة التي لا جواب لها إلا خارج محيط الأسرة، وفي الخارج هناك جدران سميكة، يصطدم بها الأبناء، ومن هنا يحدث الإدماء، ويحدث الألم النفسي الذي لا علاج له إلا انحراف العجلة عن مسارها الصحيح، ومن ثم الوقوع في حفرة الورطات الكبيرة.
فعندما تجد طفلاً يسبح في نهير الحب، فاعلم أن هذا المخلوق سوف يغرق، وسوف يختنق، وسوف يطرد فكرة النجاة من مخيله مثل القطنة تمتص الماء ولا تشبع، وتظل تمص، وتمص، إلى أن تغيب في الامتصاص وتنتهي إلى لا شيء.
فكل طفل يخرج من شرنقة الحب «المرضي» ينتهي به المطاف إلى رجل ناكص إلى مراحل طفولية غارقة في فيضان الحب.
الحب كالدواء، الإسراف في تعاطيه، ينقلب إلى داء، ولذلك يحذر الأطباء من عدم الالتزام في تعليمات الطبيب المعالج، في استعمال الدواء. كذلك الحب إنه مضاد حيوي فاعل، ضد الكراهية، وضد الإحساس بالفراغات الملتهبة، ولكن تعاطي الحب من دون وعي بأهمية تحديد المواقف أولاً، من كل سلوك يبدر من أطفالنا، ثم التأشير على الخطوط الحمراء، حتى لا يتم التجاوز تحت ذريعة الحب، ومن ثم السقوط في الحفر السوداء.
نحن معنيون بحب أطفالنا، كما أننا معنيون بتربيتهم، وتوجيههم إلى جادة الصواب، نحن مسؤولون عن الاعتناء بالزهرات في فناء البيوت، فلا نطويها بقبضة الغضب، ولا نلمسها لمسة الفراشات، فالأبناء يحتاجون إلى الإمساك بالعصي من نصفها، فلا تفريط ولا إفراط، الأبناء يحتاجون منا للحب، كما يحتاجون لإيقاف العربات عندما يواجهها منعطف حاد، أو منخفض عميق، الأبناء يحتاجون ذلك، لأنهم ليس بالحب وحده يمكن أن تنمو أغصانهم.