إلى أين بعض الناس ذاهبون بمجتمعنا الذي كان قبل سنوات بسيطاً ومتضامناً، وتخدشه الكلمة المعيبة، واليوم بدؤوا يعرّونه من ذاك الستر الجميل الذي يتصف به، ويميز ناسه، لم يكونوا بمثالية الملائكة، كانوا يتلاعنون ويتقاتلون، ولكن كانت هناك فروسية على الأقل فيما شجر بينهم، اليوم من بين بعض المآخذ على انفتاح مجتمعنا على العديد من الثقافات، أن أصيب بأعراض وأمراض تلك المخالطة، فظهر عندنا العنف اللفظي، كان في السابق مستوراً، وضمن جدران البيت، ومع الوحدة، وعند فئة دون أخرى، اليوم أصبح مشاعاً، وغزا الشارع، ويظهر في الأماكن الراقية، ويتعاطاه الوالد والولد، حتى الشجار المنزلي الذي كان لا يتعدى جدران الغرفة المشتركة بين الزوجين، صار اليوم علناً، وعلى وسائط التواصل الاجتماعي، ويشترك فيه ويتفرج عليه جمهور غفير، كثير منهم لا يعرف الزوج ولا الزوجة، في ذلك الزمان الذي أذكر أن السبّة نادرة، وإن صارت قد تصل إلى الدم أو العداء المطلق، لذا كان يمتنع عنها العقلاء، ولا يأتيها إلا السفهاء، وإن حدث وانطلق عيارها من اللسان، حوّطها في البداية الحكماء والمحبون، وتشفعوا من أجلها ومن أجل قائلها لكي لا يحدث ما لا تحمد عقباه، اليوم لأنها تشرعنت وتقننت، اعتبرها البعض مصدر رزق، وفرصة سانحة لكسب المال دون عناء، حتى غدت ظاهرة تستلزم الوقوف عندها، خاصة أن البعض رفع برقع الحياء، فالزوجة ترفع قضية على والد عيالها وبعد عمر ليس بالقصير معاً، لأنها اكتشفت أنه سبّاب لعّان، وتستطرد في شرح مسباته وشتائمه، بعضه قاله، وبعضه مما يكنّه صدرها، ويلجأن لقضايا ومحامين ومحاكم، ونشر الغسيل الوسخ لهذه العائلة، وبعض الناس اتخذوا قوانين القذف والسب، مصدراً للمتاجرة، فيتفق زوجان على واحد مثلاً، بعدما يعرفان حاله ونقطة ضعفه، ويعملان سيناريو للإيقاع به، ولا مانع أن يثلم الشرف الرفيع، وتحدث محادثات ومجادلات وأخذ وعطاء، ثم تتصاعد عقدة القصة حين يتم التهديد والابتزاز، واللجوء إلى «المحاكم الجديدة» قبل المحاكم المدنية التي هي منصات التواصل، ووسائط التفاعل الإلكتروني، ثم تجييش الحشود المستمتعة والمتفرجة، وحين يكسب الزوجان القضية والتعويض، يقولان: بهذا المبلغ سنربي أولادنا ونعلمهم على سمو الأخلاق، ومعاني الشرف!
أصبحت تسعيرة المسبات واضحة لدى الجميع، حتى مسبة الأميركيين الشهيرة، إذا قلتها بالإنجليزي، عُدّت مزحة، أما إذا ترجمتها بالعربي، فهي قضية حبس وتغريم وتسفير، مرات تدعي على بعض الناس من غلاهم، وإلا عليك ما يهونون، فيقومون برفع قضية ضدك يتهمونك فيها بخدش الحياء العام. اليوم بعض المسبات، ولو كانت من هذر اللسان، من تلك التي كنا قديماً نعيّرها بأنها من نوع المسبة المجانية «السبّه ببيزه»، جريمتها وغرامتها هذه الأيام أكثر من جريمة إراقة ماء النجاسة في صحن المسجد!