هكذا تبدو العلاقة الأبوية، عندما يسيء أحدهما أو كلاهما فهما الحب، فيدلقونه كما يدلق المسرفون الماء على أرض سبخة.
الحب ماء، إن صرفته في قنواته الصحيحة بلغ معناه ومستواه، فأثمرت الأشجار، ونمت الأزهار، وترعرعت الأطيار، وتغذى الفضاء من عطر نسائم صافية من كل غبار.
الحب ماء، أن أسقيت به مشاعر الصغار، حسب قوانين الطبيعة، نشأوا على الأحلام الزاهية، وشبت أخلاقهم على فيض القيم القويمة والمبادئ الحكيمة، والثوابت السليمة.
الحب كالماء، شحوبه مميت، والأفراط فيه يفسد التربة ويجعلها أرضاً تؤمها الطفيليات، والحشائش الضارة. كن في الحب معياراً لا يميل، ولا يحيد، كن في الحب لغة لا تفارق موسيقاها، ولا تفشل في رفع الفاعل، وكسر المجرور. نحن في علاقتنا مع الأبناء، نغادر منطقة الحب، فننغمس في التعلق، مما يجعلنا نفسد البيضة، حين نضعها في الهواء الساخن، ولا ينتج عن ذلك سوى فراخ مشاعرهم من حديد صدئ.
نحن نفرط في الحب، ونظن أن الحب هو أن تطلق الحبل على الغارب، تقول دعهم يعبروا عن مشاعرهم، فهذا زمنهم، وهذه حياتهم التي تختلف عن حياتنا.
عندما تتزحلق الكلمات على ألسنتنا، وتصبح كريات نارية، ونحسبها ثلجاً، نصبح نحن مسعر النار الذي يقلب الجمرات، وينفخ في الكير، لتصبح المسامير حمراء قانية، تحرق الأفئدة، وتسرق الأمانة من بين أيدينا، وبعد حين نقول ياليت لم يكن الذي كان، ولكن، يحصل ذلك بعد فوات الأوان، وبعد أن تأكل النار من قاع الفنجان.
الحب مثل أي عاطفة، التمادي في بثها، يؤول إلى فيضان يستبيح الزرع، والضرع، وتنتهي الحياة إلى صحراء، يباب، وتصبح العلاقة الأسرية، خاوية، ذاوية، ينوء أفرادها بأحمال الحسرة والفقدان، وتنتشر على إثر ذلك، أوبئة، الندم، وأفكار العدم. في عصر الاستهلاك فقدت الأشياء قيمتها، وقيمها، وصار اللهاث خلف ما هو لامع مثل الجري على أرض ملساء غسلت بالماء، أننا لا نصل أبداً، ومهما وسعنا من خطواتنا، فإننا لا نبرح مكاننا لأننا في كل خطوة نخطوها، تتبعها خطوات تعيدنا إلى الوراء، وفي الوراء هناك تكمن الأسئلة التي لا أجوبة لها غير المزيد من تدفق النظرات المنكسرة.
الحب وحده لا يكفي، بل لا بد من مقياس يحدد مستوى الحب، حتى نحفظ الود مع من نحبهم.
الحب وحده، مثل من يريد أن يحلق بجناح واحد، فكلما ارتفع، وقع، وكلما وقع أبدع في صناعة اللوم.