ابتلينا في زماننا بنفر من البشر، تبوؤوا مراتب العلا، وصعدوا السماء، وجلبوا من فيض النجوم، ما يفوق قدرة النجوم على إضاءة السماء، ولو كانت داكنة مثل عقل كائن بدائي.
اليوم تمتلئ الشاشات الملونة بكتلة ضخمة من المنجمين والمحللين والمفسرين، والمهرطقين، والذين أمسكوا بعصا موسى، وعبقرية سحرة فرعون، وأبدعوا في رسم الصورة الخيالية، ونبغوا في تقطير ماء البحر، وجلبه إلى أذهان الناس كي يغتسلوا بالملح لا بالسكر.
هؤلاء «الشامانية» الجدد هم نباة العقل المسهب في اللاعقل، هؤلاء هم دعاة البحث عن إبرة خياطة الأقمشة المرقعة في زمن يفتق كل الخيوط كي تبدو عورات العالم بائنة، ليبدؤوا في تجميع الفتات، وترقيع الشتات، والسير بالعقل، نحو غايات وهمية لا يعلمها إلا كل ذي عقل متوهم.
اليوم عندما تسمع أحدهم يسرد قصة أشبه بخرافة أم الدويس، أو بابا درياه، تشعر وكأنك أمام كاهن بوذي يقرفص ساقيه، ويولي وجهه تجاه غرفة الكون الفسيح، ويطرق أبواب الفراغ الهائل، ويحكي للناس عن قدرته على جلب الحظ لكل من يتبع خطاه، ويسير على مبدئه الخيالي.
اليوم وبعد أن حار الفطين بما تفعله الشياطين، وما تبديه عقول المجانين، صار من السهل على كل مشعوذ، وأفّاقٍ، وآثم، ومشاء بنميم، أن يحصد العقول، كما تحصد أنثى بدائية حبات القمح من بين تبن وقش، ويمضي بوجدان الناس إلى مناطق معشوشبة بأزهار برية متوهمة، ويفرد ذراعيه، ويبحلق عينيه، ويرعد، ويزبد، ويتمطق ويتنطع، والعالم ينصت بإمعان وكأن هذا المخلوق جاء بالسر الدفين، ليلقيه على المسامع، ويقذفه على العقول.
اليوم، أصبح المنجمون كثراً، في السياسة، والاقتصاد، وحتى في الدين، لأن المقاييس اختفت والمعايير تلاشت، والقيم انتهت إلى فراغات وسيعة، أوسع من عقل الجاهل.
اليوم نحتاج إلى معمل كيميائي عملاق، ليحلل شخصية أصغر محلل في السياسة، لأن ما يحدث فوق التصور، وفوق قدرة العاقل كي يصدق ما يطفو على سطح المياه الآسنة.
اليوم بمقدور أي سفيه أن يحلل أحلامنا، وأن يفكر قبلنا في مصيرنا، لاختلاط الحابل بالنابل ولاتساع رقعة الوسائل الإعلامية، والتي تفتح أبواقاً أشبه بمواسير المياه غير الصالحة للشرب.
اليوم كل وسيلة إعلامية تسابق مثيلاتها في استقطاب المهرجين الذين ترقص على رؤوسهم ذبابات دوخها الرقص على أنغام الفجر الغائب.
اليوم يعيش العالم على وقع حفلة تذبح لأجلها الحقيقة، وينتحر العقل، ولا حياة لمن تنادي.