قريباً، سيتبلور لدينا «مقياس للتسامح والتعايش»، بعد انطلاق الأعمال الميدانية للمسح الوطني للتعايش، في نطاق عمل الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء في إمارات الدولة كافة، ليكون المقياس الأول عربياً وإسلامياً، الذي يختبر مخرجات التنوع الثقافي والديني في المجتمعات، ويتتبع آثار الاستراتيجيات والسياسات والبرامج الحكومية، وغير الحكومية في هذا الصدد.
المسح، الذي ترعاه وزارة التسامح، يتوخى توفير قاعدة معلومات وبيانات، مستخدماً أدوات علمية للقياس والمقارنة والتحليل، ويتقصى المفاهيم والتعبيرات والتصورات الذهنية، وكذلك الممارسات والسلوك، لكل ما يتصل بالتسامح والأخوة والإنسانية، في ضوء تركيز الإمارات خطاباً وسياساتٍ على صياغة رؤية إنسانية للتقارب الثقافي والاجتماعي، تراعي الجوامع المشتركة بين البشر.
لقد فصّلت «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي وقعها بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر في أبوظبي، العام الماضي، في أهمية الأديان، باعتبارها مصدراً للقيم، والاعتدال، وخير الإنسان، ورفضت سعي التطرف المستمر إلى زج الدين في الخلافات بين الشعوب، وجعله سبباً للاصطدام والاحتراب، وتشكل الوثيقة منهاج عمل لوزارة التسامح، ولكثير من مراكز الدراسات والهيئات الإماراتية المنخرطة في تشييد ثقافي وطني متواصل منذ سنوات، طموحاً بمعمار وطني للتسامح، يكون معبراً عن الشخصية الإماراتية، ومميّزاً لها.
إلى جانب برنامج الفضاء، واقتصاد المعرفة، والذكاء الاصطناعي، والطاقة الجديدة، ينهض مشروع الإمارات للتسامح، برعاية مباشرة من القيادة، وبتعاضد مؤسسي حكومي، تدعمه المؤسسات الثقافية والأكاديمية والنخب الاجتماعية، ليملأ فراغاً، كان متروكاً للأفكار المتشددة، ولمراكز التطرف والإقصاء، ولعله لم يكن فراغاً على صعيد المفاهيم فقط، وإنما تجاوز ذلك إلى ممارسات ضد الإنسانية، تجلت في فظائع الإرهاب، خلال السنوات الماضية، بعدما أنتج فهماً مشوهاً للدين.
اليوم، وبعد أعوام على تشكيل وزارة التسامح، ذراعاً حكوميةً لمأسسة خطاب عقلاني، يقوم على احترام التنوع والخصوصيات الثقافية والحضارية، وينبذ التعصب والاحتراب الطائفي والمذهبي، نذهب إلى مسح علمي للتعايش في المجتمع الإماراتي، بمواطنيه ومقيميه وضيوفه، نحو التوصل إلى مقياس وطني للتسامح والتعايش، «يصف مستويات التسامح والأخوة الإنسانية في المجتمع، ويكون على نحوٍ يسهل تفسيره، وفهم معناه، وبحيث يسهم في التعرف على مدى نجاح المجتمع في نشر قيم التسامح والتعايش، وفي تحديد المتطلبات والمبادرات اللازمة للنجاح، ومتابعة تنفيذها باستمرار»، كما يرى الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح.
تزامناً مع المسح الوطني، وتجاوباً مع رؤية «وثيقة الأخوة الإنسانية» في اعتبار الفقر سبباً من أسباب التطرف، تنضم الإمارات، الأحد المقبل إلى أكبر حدث إنساني للقضاء على الفقر، يتابعه أكثر من 1.5 مليار مشاهد بمشاركة 10 مدن عالمية.. ودائماً «لا شيء مستحيل».