يأتيك شخص ولديه سؤال، والجواب مخبأ في جيب معطفه. يسألك وقبل أن تجيب يطرح جوابه الجاهز إنه صندوق قديم ومغلق بقفل صدئ تحاول أن تفتح حواراً لعلك تستفيد قبل أن تفيد، ولكن المعني بالحوار، يقطب حاجبين مثل ورقة برشام مقرفصة، ويشيح بوجوم، متأففاً، ساخطاً، خاوياً، مثل وعاء معدني مهمل.
ملقى عند قارعة طريق. تحاول أنت تقترب من هذا العالم المكتظ بالخواء، تحاول أن ترسم صورة مثالية لحوار بين عقلين، ربما تفوز بحلم بوذا في النقاء البشري، ولكن لا جدوى، لأن الصندوق الذي أمامك، مغلق حتى إشعار آخر، مثل شارع فكر مسؤول لأسباب واهية أن يغلق منافذه، فأشعل زحاماً خنق المستفيدين من المرور في هذا الشارع.
ماذا يمكنك أن تفعل، والعقل الذي أمامك لم يزل منشغلاً بترميم الخراب الذي لا يرمم. ماذا تفعل أنت، والعقل الذي تواجهه، خارج نطاق الخدمة.
في واقعنا صناديق كثيرة يعج بها المكان، لأنها مليئة بمقتنيات قديمة، لا قيمة لها، ولكن أصحابها مصرون على التمسك بها، لأنهم ليس لديهم ما يحفظونه في هذه الصناديق، ولأنهم اكتفوا بالوقوف عند لحظة زمنية محددة، وقطعوا الصلة بما يلي من أزمان، أو أنهم كفوا عن البحث عن مقتنيات جديدة بعدما اقتنعوا أن العقل الذي يسكن تحت جماجمهم، لا يحتمل أكثر من ذلك.
من هنا ينمو ورم التزمت، ومن هنا يترعرع التعنت في رؤوسهم، ويصبحون مثل الأخشاب الدهرية التي عجفت، وتيبست، وترسبت في النواصي التاريخية الأزلية.
البعض يتصور أن الحياة بئر وحيدة، وإذا جف معينها فلا بديل لها، ولا وسيلة أخرى لجلب الماء.
البعض يفضل الموت عطشاً، ولا ينتقل إلى منطقة أخرى للبحث عن بئر أخرى.
البعض يختزل الزمن بفكرة واحدة، ويعظم الأفكار التي تشبه الصخور، تجثم على الصدور، ولا يزحزحها أعظم جراف في العالم.
البعض يعشق واحدية الفكر، ويعتبر ذلك انتصاراً للحقيقة، يعتبر ذلك صوناً للذات.
البعض الآخر مهزوم من الداخل، لكنه لا يفصح عن هزائمه مهما اتسعت هوة الشروخ في داخله، ومهما تعاظم حجم الألم في جوفه.
هذه مكابرة الضعفاء، هذه مجاهرة المهشمين، هذه ابتلاءات الخاوين. لا تحاول الاقتراب من شخص يقع تحت لظى خوائه، إنه سوف يقمعك بجموده، وسوف يشوه فيك التفاؤل، سوف يحولك إلى حزمة أسئلة مربوطة بحبل مهترئ، سوف يجعلك كتلة من علامات الاستفهام المتشظية.
لا تحاول فتح الصندوق، لأن القفل الصدئ سوف يجرح أصابعك، وسوف تمتلئ الجروح بالصدأ، من واجبك أن تنأى بنفسك، عن مثل هكذا حوار، وتكتفي بالابتسامة عندما يشيح عنك المتزمت، لأنه خير الإجابات على هكذا حوار أصم هي الابتسامة. إنها تغسلك من الصدأ.