حين يحضر التراث تحضر الحياة؛ بتجلياتها لدى الشعوب، بصوت ماضيها وحاضرها، بقيمتها التاريخية والمجتمعية، بعنفوانها الزمني الذي يجسد تفاصيل حياتية لا تغيب ولا تحتضر طالما الشعوب تجدد حاضرها في ثقافتها وفي موروثها.. طالما تتماهى مع تراث الشعوب بمختلف أطيافهم وأجيالهم. وطالما تتناغم ذاكرتها بذاكرة الشعوب يصبح موروثها حياً قادراً على الحياة واستشراف القادم، لذا تتقدم الشعوب وتفاخر بما تملك من تراث وثقافة حاضنة لمكوناتها الحقيقية.. بل وممجِّدة لهذا المكوِّن من مكوناتها. فلم يعد التراث يعيش في خصوصيته بل يغادرها إلى آفاق رحبة ماثلة في التعايش، خاضعاً للدراسات، مكتشفاً للذات، متهيئاً للقادم من تراث حاضر يضمن الاستمرار في روح الحياة ونبعها اللامنتهي.
ففي البيت الغربي، وفي قلب الشارقة النابضة بالعطاء، يحضر التراث الشيشاني بعراقة ضمن أسابيع التراث العالمي. تحضر الشيشان بحضارتها وبجمالها وبحبها للحياة. وبعد سنوات عجاف من التمزق وشتات الحروب تعود إلى مكتسباتها الزمنية في هذه المشاركة العريضة والفعالة التي تتضمن أزياءها التقليدية الجميلة وفتياتها العارضات. وما لفت انتباهي أسماؤهن القديمة؛ سلمى وليلى وفاطمة وخديجة، وهي دلالات على جوهر المكوِّن وحقيقة الاستعانة بالتراث كقيمة وقيم لا يجافيها النسيان، ولا يعفو عليها الزمن بداعي التقدم؛ فهي تتوهج ضمن حقها في الحياة والعيش والتفاوض مع القادم من رحلات حياتية مختلفة.
في هذه الشارقة الحاضنة لكل إبداع وجمال، تحضر الشيشان بمختلف بريقها من موسيقى وطرب وفنون تمتزج روحياً لتشكل حضورها النغمي الذي يصدح في سماء المدينة.. تحضر معارض الفن من لوحات تعبر عن تفاصيل الذاكرة الشيشانية مثلما تحضر الفرق الشعبية بفاعلية تتوسم السعادة والبهجة من الحضور المقبل بشغف، وبرؤية ثقافية تملؤها الإضافة حول هذا التراث الذي جمع النسيج وصناعته وقدم منحوتاته الخشبية والحجرية ضمن أنشطة متنوعة تعكس عن أهمية التراث الشيشاني ومكانته.
هكذا هي الشارقة متمثلة بمعهد التراث، لا تكتفي بالمشاركات الخارجية في التواصل مع شعوب العالم وإبراز تراث الإمارات.. بل تحضر تراث العالم إلى دارها لإطلاع أبنائها على جمالية التراث العالمي ومكانته. وكما يفتح لنا الآخر أبوابه نفتح لهم آفاقاً رحبة لنرى تراثهم عن قرب، وهذه هي صناعة الثقافة بحق وحقيقة.. وهذه هي بعض رؤية حاكم الشارقة ورسالته الثقافية للعالم حيث تتعدد المدارات الثقافية، وحيث تتسع رقعة الوعي تجد الشارقة في بهائها تتميز عن غيرها وتعلو مكانتها في التحديث الثقافي بشكل عام، وفي التراث بشكل خاص.
هذا مما يحسب لمعهد التراث على الصعيد الثقافي.