مشكلة وسائط التواصل الاجتماعي أنها تشبه الكاميرا الخفية العربية، في البداية صدقناها، ثم حاولنا أن نصدقها، لكنها في النهاية عرفها الجميع أنها ضحك وتمثيل واختلاق مشاهد غير واقعية، واستغلال البسطاء من الناس، واللعب على جهلهم وفطرتهم، وهكذا حالنا اليوم مع الإعلام الذكي والجديد، بسبب ما تتطلبه السرعة في البث، وطرح الجديد والمدهش كل ساعة، وبسبب عدم الاحترافية الإعلامية التي هي مفقودة، وغير مطلوبة، وبسبب الأمراض الاجتماعية التي ابتلي بها مستخدمو هذا النوع من الاتصال والتواصل، وبسبب ترهل الإعلام التقليدي، وعدم قدرته على مواكبة سرعة الإعلام الرقمي في ظل وجود إعلاميين ما زالوا يحبون الجلوس على الكراسي كموظفين إداريين، وغير قادرين على التماشي اليومي مع حركة وسائط الإعلام الذكية، والتي كان يعدها الإعلام التقليدي هامشية، وهي اليوم تحتل المركز، لكنها الوحيدة والمهمة مع أنها لا تحظى بتلك المصداقية مهما كانت صادقة لغياب المسؤولية، وغياب المرجعية، ونظرية التشكيك في كل ما يرد منها، فخبر مثل البطيخ الأسترالي الذي يقال إنه صُدّر إلى عديد من الدول الخليجية والإسلامية خلال الشهر الحالي، وهو يحمل بكتيريا خطرة على صحة الإنسان، وقاتلة، لذا لزم تجنبه، وسرعة التبليغ عن الحالات المشتبه فيها، إعلامنا التقليدي لم يدر بالموضوع حتى يومنا هذا، إعلام التواصل الاجتماعي غطاه مع إرسال رسائله المعتادة والتي تحمل وصية: انشرها جزاك الله خيراً أو أرسلها للذين يهمك أمرهم، وهو جزء من فعل الخير يكتب في ميزان حسنات المسلم، وإلى غير ذلك من التشفيعات والتضمينات التي عادة ما تلحق بالرسائل في الإعلام الرقمي، وأخبار وسائط التواصل الاجتماعي، هنا يحتار المتلقي، من ناحية يريد أحداً من الإعلام التقليدي أن يؤكد له أو ينفي الخبر، فإن أكده تحول المتابع بكليته إلى الوسائط الإعلامية الحديثة يتابعها ويشارك فيها، وإن نفي الخبر، سيتحول المتابع من راغب في التحقق من معلومة إلى مشكك في الإعلام التقليدي الذي طالما أخفى عليه كثيراً من الحقائق والمواضيع لم يدر عنها إلا من خلال الإعلام الأجنبي سواء أكان هذا الإعلام الأجنبي يبث من الداخل أو من الخارج، فصحفنا الأجنبية يمكنها أن تتناول ما تريد من موضوعات، بعكس صحفنا العربية التي يبدو عليها بعض الخجل الإعلامي، ولديها حساسية تجاه عديد من الأمور، فتؤثر السلامة على حساب المهنية الصحفية. نعود للبطيخ الأسترالي، ومدى جدية الموضوع من هزله، لأن الجمهور الرقمي سرعان ما سيربط وفاة شخص هنا أو إجهاض حامل هناك بسبب البطيخ الأسترالي، لأن هذه المنطقة الآن مشاعة، وغير مغطاة إعلامياً، لذا سيكثر المتقولون، وسيكثر محبو الإشاعات، وناقلو النميمة الرقمية، فلا تجعلونا نعاني من أوجاع البطيخ الأسترالي!